الجمع بين قوله تعالى: "أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ" وقوله: "جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ..."

0 124

السؤال

قرأت لابن عثيمين، وابن القيم: أن المراد بإلحاق الذرية في قوله تعالى: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان) أن المراد به الصغار الذين لم يتزوجوا. فلماذا قال الله: (جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم) جمع الله الأب، والزوج، والابن، مع أن الزوج استقل بحياته عن الأب. وإذا كان خاصا بالصغار الذين لم يتزوجوا، فهذا شيء نادر، وقد لا يوجد أن يبلغ الإنسان، ويحقق الإيمان، ولا يتزوج، ولم أجد صحابيا بلغ أبناؤه ولم يتزوجوا، وماتوا على الإيمان، فلماذا بشرهم الله بإلحاق الذرية!؟ وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فقد اختلف المفسرون في المراد بالذرية، في قوله تعالى: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم {الطور:21}. هل هم الصغار، أو الكبار والصغار.

قال البغوي في تفسيره: واختلفوا في معنى الآية، فقال قوم: معناها: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان، يعني: أولادهم الصغار والكبار، فالكبار بإيمانهم بأنفسهم، والصغار بإيمان آبائهم، فإن الولد الصغير يحكم بإسلامه تبعا لأحد الأبوين.

{ألحقنا بهم ذريتهم} المؤمنين في الجنة بدرجاتهم، وإن لم يبلغوا بأعمالهم درجات آبائهم؛ تكرمة لآبائهم؛ لتقر بذلك أعينهم. وهي رواية سعيد بن جبير، عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهم-.

وقال آخرون: معناه: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم. البالغون بإيمان، ألحقنا بهم ذريتهم الصغار الذين لم يبلغوا الإيمان، بإيمان آبائهم. وهو قول الضحاك، ورواية العوفي عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-. اهـ.

وقال ابن الجوزي في زاد المسير: واختلفوا في تفسيرها على ثلاثة أقوال:

أحدها: أن معناها: واتبعتهم ذريتهم بإيمان، ألحقنا بهم ذرياتهم من المؤمنين في الجنة، وإن كانوا لم يبلغوا أعمال آبائهم؛ تكرمة من الله تعالى لآبائهم المؤمنين، باجتماع أولادهم معهم، روى هذا المعنى سعيد بن جبير، عن ابن عباس.

والثاني: واتبعتهم ذريتهم بإيمان، أي: بلغت أن آمنت، ألحقنا بهم ذريتهم الصغار الذين لم يبلغوا الإيمان. وروى هذا المعنى العوفي، عن ابن عباس، وبه قال الضحاك.

 ومعنى هذا القول: أن أولادهم الكبار تبعوهم بإيمان منهم، وأولادهم الصغار تبعوهم بإيمان الآباء؛ لأن الولد يحكم له بالإسلام تبعا لوالده.

والثالث: وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان الآباء، فأدخلناهم الجنة، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا. اهــ.

وقد استظهر ابن القيم في كتابه: "حادي الأرواح" تخصيص الذرية بالصغار دون الكبار، فقال: ويدل على صحة هذا القول، أن البالغين لهم حكم أنفسهم في الثواب والعقاب؛ فإنهم مستقلون بأنفسهم، ليسوا تابعين الآباء في شيء من أحكام الدنيا، ولا أحكام الثواب والعقاب؛ لاستقلالهم بأنفسهم. ولو كان المراد بالذرية البالغين؛ لكان أولاد الصحابة البالغون كلهم في درجة آبائهم، وتكون أولاد التابعين البالغون، كلهم في درجة آبائهم، وهلم جرا إلى يوم القيامة، فيكون الآخرون في درجة السابقين.

قالوا: ويدل عليه أيضا أنه سبحانه جعلهم معهم تبعا في الدرجة، كما جعلهم تبعا معهم في الإيمان، ولو كانوا بالغين لم يكن إيمانهم تبعا، بل إيمان استقلال. قالوا: ويدل عليه أن الله سبحانه وتعالى جعل المنازل في الجنة بحسب الأعمال في حق المستقلين، وأما الإتباع فإن الله سبحانه وتعالى يرفعهم إلى درجة أهليهم، وإن لم يكن لهم أعمالهم، كما تقدم، وأيضا فالحور العين والخدم في درجة أهليهم، وان لم يكن لهم عمل، بخلاف المكلفين البالغين؛ فإنهم يرفعون إلى حيث بلغتهم أعمالهم. اهـ.

وكذا اختار بن عثيمين -رحمه الله تعالى- هذا القول في عدة مواطن من كتبه، وتخصيص الصغار هنا لا ينافي قوله تعالى: جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم {الرعد:23}؛ لأن هذه الآية في دخول الجنة، وهذا لا إشكال فيه؛ لأن الجنة يدخلها كل مؤمن -صغيرا كان أو كبيرا-، وأما آية: {ألحقنا بهم ذريتهم}، فهذه في درجات الجنة.

والله تعالى أعلم. 

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات