نصيحة ومواساة لمن ابتليت بالإجهاض

0 247

السؤال

أشكركم لجهودكم وتعاونكم في إفادتنا دائما.
أنا فتاة عمري 21 عاما، كنت قد طرحت أسئلة من قبل بخصوص الحمل، فلي 11 شهرا متزوجة، وكتب الله لي الحمل منذ شهرين ونصف، وقد كان حملا طبيعيا -بفضل الله- ثابتا، ولم أعاني من أي مشاكل، وكان نبض الجنين جيدا، إلى أن أصبت بكحة شديدة؛ مما دفعني إلى استشارة طبيبتي لتعطيني دواء آمنا للحمل، خوفا من أن تؤثر الكحة على الجنين، وجلست ثلاثة أيام متخوفة من أخذ الدواء إلى أن اشتد السعال، وخشيت على الجنين، وكانت قد وصفت لي الطبيبة دواء: " أموكسيسلين "، وقرأت عنه بالإنترنت أنه آمن للحمل ، كما أنني سمعت بعض الحوامل اللاتي مدحن لي هذا الدواء، وطمأنني بأنه آمن للحمل ، ولم يمض على أخذي للدواء دقائق معدودة حتى ظهرت علي علامات حساسية شديدة ، من إغماء شديد، ومتكرر، وقيء، وتشنج في اليدين، وانتفاخ، وحكة في الشفاه، وتنميل عام، وتغير لوني إلى البنفسجي من شدة التعب، وشعرت بأنني سأموت لشدة الألم، وأغمي علي مرات متعددة، ولم أستطع حتى الوقوف، ثم حملني زوجي إلى الطوارئ، وهناك أهملوني، ولم يتم إعطائي مضادات حساسية، أو شيئا من هذا القبيل، ولكن تحسنت مع ضرب الإبر، لكني شعرت بألم شديد في بطني، وبدأت أنزف في المستشفى، وأجريت سونار صباح اليوم التالي لعدم توفر السونار ليلا حين تحسست.. وظهر توقف نبض الجنين، وهذا ما آلم قلبي كثيرا، حيث ظهر بالسونار أنه كان في الأسبوع التاسع، وبالفعل حدثت لي الحساسية حين دخلت اليوم الثاني من الأسبوع التاسع، وبكيت كثيرا، ولكني حمدت الله على كل حال، وشخصوا حالتي بأن لدي "حساسية البنسلين"، وأعطوني حبوب: سايتوتك؛ ليتم إجهاض الجنين بالمنزل، ومن خوفي لم أدخل الحمام -أكرمكم الله- يومين كاملين؛ خشية أن يسقط الجنين بالمرحاض، ولكن لمدة يومين لم ينزل الجنين، وإنما كنت أنزف فقط، ونزلت قطعة دم بحجم الكف، وأخيرا بعد يومين لم أستطع التحمل، وذهبت للحمام، ولكن كما كنت أخشى سقط الجنين في المرحاض مع الضغط دون أن أراه، أو حتى ألمحه، سقط بسرعة، وكان الأمر خارجا عن إرادتي، وشعرت بنزول شيء ما، ولم أستطع أن أراه، أو أن أخرجه، وذهبت للطبيبة، وتأكدت من أن الحمل قد نزل فعلا، ولم يبق شيء في الرحم، ونفسيتي متعبة جدا؛ لأنني فقدت جنيني بعد أن كان حملا سليما وثابتا دون مشاكل، حتى تحاليلي ما بعد الإجهاض للهرمونات كانت طبيعية -ولله الحمد- فقد مات بسبب حساسيتي للبنسلين، وحزنت كثيرا لوقوعه في المرحاض دون إرادة مني، وأخشى أن لا يحتسب لي شفيعا، علما أنه لم يتعد اليوم الثاني من الأسبوع التاسع، ونفسيتي متعبة جدا، وأشعر بالاكتئاب والتحطيم، ولا أستطيع نسيان وقوعه في المرحاض، لكني بذلت جهدا، ولم أدخل يومين كاملين للحمام بسبب خوفي من وقوعه، ولم أكن أعلم أنه سيقع، فهل أنا مذنبة بشأن وقوعه في المرحاض؟ وهل هذا الجنين لا يعتبر شفيعا لي ولأبيه؟ فقد عانيت كثيرا من المرض والآلام، وحمدت الله على فقدي له، ولم يكن مني حين سمعت خبر موته إلا أن قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون. أنا أحتاج رأيكم ومشورتكم -جزيتم خيرا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فنسأل الله أن يأجرك في مصيبتك، وأن يعوضك خيرا، واعلمي أن السقط يشفع في والديه -كما بيناه في الفتوى: 232963.

وإلقاء السقط في المرحاض لا علاقة له بأمر شفاعته لوالديه.

والسقط الذي لم يبلغ أربعة أشهر لا يجب دفنه أصلا، كما بيناه في الفتوى: 149985، فلا إثم عليك لو ألقيته في المرحاض عامدة مختارة، فكيف إن سقط منك في المرحاض، وأنت غير مختارة لذلك؟

وبعد هذا: نذكرك بأن كل ما يصيب العبد هو بتقدير الله جل وعلا، وقضائه سبحانه، والله سبحانه أرحم بالعبد من نفسه، وكل ما يقضيه الله لعبده المؤمن، فهو خير له، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له. أخرجه مسلم.

والعبد قد تكون له منزلة عظيمة عند الله لا يبلغها إلا بالمصائب التي تنزل بساحته، جاء في الحديث: إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة، لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده، أو في ماله، أو في ولده، ثم صبره على ذلك؛ حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى. أخرجه أبو داود، وصححه الألباني.

بل إن المصائب والمضائق قد تكون أمارة على إرادة الله الخير بالعبد، كما في الحديث الذي أخرجه البخاري: من يرد الله به خيرا يصب منه.

والجزع لن يرفع المصاب عن العبد، بل سيحرمه أجر الصبر، وهذه المصيبة العظمى.

فنوصيك بالصبر، والرضا بما قدر الله لك، والله عز وجل عند ظن عبده به، كما صح في الحديث القدسي، فأحسني الظن بالله، تحسن عاقبتك، ولن يخيب الله عبدا رجاه صادقا في رجائه، واحذري القنوط من رحمة الله، واليأس من روحه، فإنهما من كبائر المحرمات، قال سبحانه: قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون {الحجر:56}، وقال تعالى: إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون {يوسف:87}.

والحزن من أمراض القلوب، فجاهدي نفسك في التخلص منه، وننقل ها هنا كلاما نفيسا لابن القيم في التنفير من الحزن في كتابه: طريق الهجرتين، يقول فيه: اعلم أن الحزن من عوارض الطريق، ليس من مقامات الإيمان، ولا من منازل السائرين؛ ولهذا لم يأمر الله به في موضع قط، ولا أثنى عليه، ولا رتب عليه جزاء ولا ثوابا، بل نهى عنه في غير موضع؛ كقوله تعالى: ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين {آل عمران:139}، وقال تعالى: ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون {النحل:127}، وقال تعالى: فلا تأس على القوم الفاسقين {المائدة:26}، وقال: إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا {التوبة:40}، فالحزن هو بلية من البلايا، التي نسأل الله دفعها وكشفها؛ ولهذا يقول أهل الجنة: الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن {فاطر:34}، فحمده على أن أذهب عنهم تلك البلية، ونجاهم منها، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال ـ فاستعاذ صلى الله عليه وسلم من ثمانية أشياء، كل شيئين منها قرينان: فالهم والحزن قرينان، وهما الألم الوارد على القلب، فإن كان على ما مضى، فهو الحزن، وإن كان على ما يستقبل، فهو الهم، والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الحزن مما يستعاذ منه؛ وذلك لأن الحزن يضعف القلب، ويوهن العزم، ويضر الإرادة، ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن، قال تعالى: إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا {المجادلة:10}، فالحزن مرض من أمراض القلب، يمنعه من نهوضه وسيره وتشميره، وقال بعض العارفين: ليست الخاصة من الحزن في شيء ـ وقوله -رحمه الله-: معرفة الله جلا نورها كل ظلمة، وكشف سرورها كل غمة ـ كلام في غاية الحسن، فإن من عرف الله أحبه، ولا بد، ومن أحبه انقشعت عنه سحائب الظلمات، وانكشفت عن قلبه الهموم والغموم والأحزان، وعمر قلبه بالسرور والأفراح، وأقبلت إليه وفود التهاني والبشائر من كل جانب، فإنه لا حزن مع الله أبدا؛ ولهذا قال تعالى حكاية عن نبيه صلى الله عليه وسلم أنه قال لصاحبه أبي بكر: لا تحزن إن الله معنا {التوبة:40}، فدل أنه لا حزن مع الله، وأن من كان الله معه، فما له وللحزن؟ وإنما الحزن كل الحزن لمن فاته الله، فمن حصل الله له، فعلى أي شيء يحزن؟ ومن فاته الله، فبأي شيء يفرح؟ قال تعالى: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا {يونس:58}، فالفرح بفضله ورحمته تبع للفرح به سبحانه، فالمؤمن يفرح بربه أعظم من فرح كل أحد بما يفرح به: من حبيب، أو حياة، أو مال، أو نعمة، أو ملك، يفرح المؤمن بربه أعظم من هذا كله، ولا ينال القلب حقيقة الحياة حتى يجد طعم هذه الفرحة والبهجة، فيظهر سرورها في قلبه، ونضرتها في وجهه، فيصير له حال من حال أهل الجنة، حيث لقاهم الله نضرة وسرورا. اهـ.

وانظري بعض الوسائل المعينة على تحقيق الصبر في الفتوى رقم: 203794.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات