تفسير قوله تعالى: وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام...

0 140

السؤال

آية استوقفتني في سورة الفرقان (وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا * أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها)
من ناحية تدبرية بعيدا عن التفسير ماذا يراد بالآية؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فالآية الكريمة تخبر عن اعتراض المشركين على نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم، والشبهة التي أوردوها هي أنه بشر مثلهم، ليس لديه بزعمهم ما يوجب اختصاصه بالرسالة واتباعهم له، فإنه مشابه لهم فيما يفعلونه من المشي في الأسواق للحاجات، وأكل الطعام وما يلزم عنه من اللوازم، ثم اقترحوا بعض الاقتراحات الباطلة كأن يؤيد بملك من السماء يكون رسولا معه، أو يكون له من الدنيا ما ليس لهم بأن ينزل الله عليه كنزا، أو يجعل له بستانا يأكل منه فلا يحتاج إلى التقلب في الأسواق لطلب المعاش، وكل هذا من تعنتهم وجهالتهم، وقد أخبرنا الله أنه لو كان ما يريدون وأكثر منه لما آمنوا، كما قال تعالى: وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها {الأنعام:25} .

قال السعدي رحمه الله في تفسير الآية: هذا من مقالة المكذبين للرسول الذين قدحوا بها في رسالته، وهو أنهم اعترضوا بأنه هلا كان ملكا أو مليكا، أو يساعده ملك فقالوا: {مال هذا الرسول} أي: ما لهذا الذي ادعى الرسالة؟ تهكما منهم واستهزاء. {يأكل الطعام} وهذا من خصائص البشر، فهلا كان ملكا لا يأكل الطعام، ولا يحتاج إلى ما يحتاج إليه البشر، {ويمشي في الأسواق} للبيع والشراء وهذا -بزعمهم- لا يليق بمن يكون رسولا مع أن الله قال: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق} . {لولا أنزل إليه ملك} أي: هلا أنزل معه ملك يساعده ويعاونه، {فيكون معه نذيرا} وبزعمهم أنه غير كاف للرسالة ولا بطوقه وقدرته القيام بها. {أو يلقى إليه كنز} أي: مال مجموع من غير تعب، {أو تكون له جنة يأكل منها} فيستغني بذلك عن مشيه في الأسواق لطلب الرزق. {وقال الظالمون} حملهم على القول ظلمهم لا اشتباه منهم، {إن تتبعون إلا رجلا مسحورا} هذا وقد علموا كمال عقله وحسن حديثه، وسلامته من جميع المطاعن. ولما كانت هذه الأقوال منهم عجيبة جدا قال تعالى: {انظر كيف ضربوا لك الأمثال} وهي: أنه هلا كان ملكا وزالت عنه خصائص البشر؟ أو معه ملك لأنه غير قادر على ما قال، أو أنزل عليه كنز أو جعلت له جنة تغنيه عن المشي في الأسواق أو أنه كان مسحورا. {فضلوا فلا يستطيعون سبيلا} قالوا أقوالا متناقضة كلها جهل وضلال وسفه، ليس في شيء منها هداية بل ولا في شيء منها أدنى شبهة تقدح في الرسالة، فبمجرد النظر إليها وتصورها يجزم العاقل ببطلانها ويكفيه عن ردها، ولهذا أمر تعالى بالنظر إليها وتدبرها والنظر: هل توجب التوقف عن الجزم للرسول بالرسالة والصدق. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات