الرد على شبهة تحريف قوله تعالى:

0 168

السؤال

يقول أحدهم: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد {الرعد:31}، أولا: الحرف "لو" من حروف الشرط، ولا بد لها من جملة شرط وجواب للشرط، فمثلا نقول: "لو تأنى العامل ما ندم"، ولكن في الآية أعلاه نجد جملة الشرط تقول: (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى)، ولكنا لا نجد جواب هذا الشرط، فلا بد أن الكلمة الصحيحة في الآية كانت: (أفلم يأنس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا)، فكلمة "يأنس" تعني "يعلم، أو يعرف"، فنحن مثلا نقول "من يأنس في نفسه الكفاءة، فليتقدم للوظيفة"، أي من يعرف في نفسه الكفاءة؛ وبذا تصبح الآية: (أفلم يعلم الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا).

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: 

 فها هنا أمران: أولهما: ما يتعلق بتفسير الآية، وفيه مسألتان:

أولاهما: جواب شرط لو، فإنه محذوف، وقدره بعضهم لكان هذا القرآن، وقدره بعضهم: لما آمنوا، وحذف جواب الشرط إذا دل عليه المقام معروف في كلام العرب، قال العلامة الشنقيطي في الأضواء: جواب لو في هذه الآية محذوف، قال بعض العلماء: تقديره: لكان هذا القرآن، وقال بعضهم: تقديره: لكفرتم بالرحمن، ويدل لهذا الأخير قوله قبله: وهم يكفرون بالرحمن [13 30]، وقد قدمنا شواهد حذف جواب لو في سورة البقرة. وقد قدمنا في سورة يوسف أن الغالب في اللغة العربية أن يكون الجواب المحذوف من جنس المذكور قبل الشرط؛ ليكون ما قبل الشرط دليلا على الجواب المحذوف

والمسألة الثانية: هي معنى ييأس، وهي هنا بمعنى يعلم، وليس ثم تصحيف، ولا تحريف، حاشا وكلا، بل استعمال يئس بمعنى علم معروف شائع في كلام العرب، قال الألوسي: ومعنى قوله سبحانه: أفلم ييأس الذين آمنوا. أفلم يعلموا، وهي- كما قال القاسم بن معن: لغة هوازن، وقال ابن الكلبي: هي لغة حي من النخع، وأنشدوا على ذلك قول سحيم بن وثيل الرياحي:

أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني     ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم.

وقول رباح بن عدي:

ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه ... وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا. اهـ.

وأما الزعم الذي زعمته من تحريف الكلمة، فقد قاله بعض الملاحدة قديما، ورد عليهم أهل العلم، قال أبو حيان في البحر: وأما قول من قال: إنما كتبه الكاتب وهو ناعس، فسوى أسنان السين، فقول زنديق ملحد. وقال الزمخشري: وهذا ونحوه مما لا يصدق في كتاب الله، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكيف يخفى مثل هذا حتى يبقى ثابتا بين دفتي الإمام، وكان متقلبا في أيدي أولئك الأعلام المحتاطين في دين الله المهتمين عليه، لا يغفلون عن جلائله ودقائقه، خصوصا عن القانون الذي إليه المرجع، والقاعدة التي عليها البناء، هذه -والله- فرية ما فيها مرية. انتهى. انتهى.

وإذا علمت ما مر، وأسفر لك الصبح عن وجه الآية ومعناها الذي لا لبس فيه؛ فإن الأمر الثاني الذي نريد بيانه لك هو أن الظاهر من حالك وأسئلتك أنك مولع بتتبع الشبهات، وقراءتها، والنظر فيها، هذا مع إحسان الظن بك، فإن يكن كذلك، فنحن نحذرك من هذا المسلك الوخيم، وننصحك بالبعد عنه، فهذه الشبهات يخشى منها على متتبعيها أن يستسيغوها، فتحرفهم عن الجادة، فاشغل نفسك بما ينفعك من تعلم العلم النافع، وأبعدها عن هذه الشبهات؛ فإن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة. كما قاله بعض السلف.

وأما إن كانت الأخرى، وهي التي نعيذك بالله منها، وكنت أنت من يصنع هذه الشبهات، فبعدا لك وسحقا، والقرآن باق بجلاله وجماله وروعته وبهائه، محفوظ من التحريف والتبديل، مهما كاده بالسوء الكائدون، وذلك أنه محفوظ بحفظ الله له، فلا يمكن لبشر أن ينال منه، قال تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون {الحجر:9}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات