الصلاة خلف من يحلق لحيته

0 119

السؤال

بالنسبة لفتواكم رقم: (37593) والتي كانت عن إمامة حالق اللحية، فقد ذكرتم أن المداومة على حلق اللحية فسق، وعليه ذكرتم أقوال العلماء في إمامة الفاسق، ولكن -يا إخوتي- ألا يمكن أن يكون هؤلاء من الجهلة أو المتأولين، فكثير من الناس الآن -بكل أسف- يحلق لحيته وهو لا يعلم أن ذلك محرم، وقد أطلقت لحيتي منذ عامين تقريبا أو أكثر، وعندما كان والداي رافضين بشدة ما فعلت، ذكرت لهما أن هذا واجب، فتفاجأ والدي جدا بما قلته، ولم يقبله، بل أزيدكم أن كثيرا من المتصدرين للإفتاء قللوا من شأن اللحية، وادعوا أن الفقهاء اختلفوا في هذه المسألة، فذهب فريق منهم إلى أنها من سنن العادات، وأن الأمر بإعفائها للإرشاد، وليس للوجوب أو الاستحباب، فهذا يعني أن كثيرا ممن يحلقون لحيتهم، يفعلون ذلك إما جاهلين أو متأولين، ولا يقصدون بذلك الإثم، فكيف يقال: إن من يحلق لحيته ويداوم على ذلك، فاسق، وإمامته بذلك مختلف في صحتها!؟ وما قصد الفقهاء بالفاسق الذي اختلفوا في صحة إمامته: ألا يقصدون بذلك أن يفعل الكبيرة، أو يداوم على الصغيرة، وأن يعلم المأموم أن فعله لذلك قاصدا عامدا أم ماذا؟ فهلا أوضحتم المسألة -بارك الله فيكم-.
وعلى كل؛ فأنا أتبع الرأي القائل بعدم صحة الصلاة خلف الفاسق، والمساجد التي أصلي فيها الجماعة أغلب من يصلون فيها يحلقون لحيتهم، والمسجد الوحيد الذي أجد أئمته -غالبا- ملتحين يرفض والدي أن أصلى فيه؛ لأنه معروف بأن كثيرا من السلفيين يصلون فيه، وهو يخشى من التضييق الأمني الكبير على الملتحين والسلفيين، وأن يصيبني بذلك مكروه، وأما بقية المساجد، فالذي أعلمه أن أغلب أئمتها غير ملتحين، وأنا أحيانا أخالف أمره، وأصلي في ذلك المسجد؛ لأنه يقيم بعد الأذان بوقت أطول من غيره، فأرتاح إلى وقوع صلاة الفجر -تحديدا- بعد الأذان في التقويم بفترة طويلة؛ حتى يغلب على ظني أكثر دخول الوقت، ولأن أغلب أئمته ملتحون، وأخشى ألا تصح صلاتي خلف من يحلقون لحيتهم، ومع علمي بفتواكم هذه: أن حالق اللحية يجري فيه خلاف العلماء في صحة الصلاة خلفه، لكني مع ذلك أحيانا كثيرة صليت خلف حالقي اللحية؛ حتى لا يغضب مني أبي إذا علم بصلاتي في هذا المسجد، فلا أصلي فيه إلا قليلا، ولأني أيضا أحيانا أكون بعيدا عن منزلي، فأذهب لصلاة الجماعة في أي مسجد، فأجد الإمام حليق اللحية، فما الحل -بارك الله فيكم-؟ وهل صلواتي السابقة صحيحة -بإذن الله-؟ فأنا أردت إرسال هذا السؤال منذ فترة، لكني كنت أتكاسل عن ذلك، وأرجو الآن الإجابة وتوضيح الإشكال.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: 

فالمسألة التي ذكرتها -وهي إطلاق اللحية- شأنها شأن ما اختلف فيه من المسائل، ونحن نرجح وجوب إطلاقها، ومن ثم؛ نرجح أن المصر على حلقها مع اعتقاده حرمة ذلك فاسق، لكن من كان يحلق لحيته متأولا أو مقلدا من لا يرى تحريم حلقها، فإنه لا يفسق بذلك، قال القرافي: وأما اختلاف المذاهب : فالعالم المتقن لا يجرح بأمر مختلف فيه، يمكن أن يصح التقليد فيه، ولا يفسق بذلك إلا جاهل، فما من مذهب إلا وفيه أمور ينكرها أهل المذهب الآخر، ولا سبيل إلى التفسيق بذلك، وإلا لفسقت كل طائفة الطائفة الأخرى، فتفسق جميع الأمة، وهو خلاف الاجماع، بل كل من قلد تقليدا صحيحا، فهو مطيع لله تعالى، وإن كان غيره من المذاهب يخالفه في ذلك. انتهى.

وعلى هذا نص فقهاء الحنابلة، فذكروا أن من يشرب النبيذ المختلف فيه، لا يفسق إن اعتقد حله، ومن ثم؛ فتصح الصلاة خلفه، قال ابن قدامة في المغني: فأما من يشرب من النبيذ المختلف فيه ما لا يسكره، معتقدا حله، فلا بأس بالصلاة خلفه. نص عليه أحمد. فقال: يصلى خلف من يشرب المسكر على التأويل، نحن نروي عنهم الحديث، ولا نصلي خلف من يسكر. وكلام الخرقي بمفهومه يدل على ذلك؛ لتخصيصه من سكر بالإعادة خلفه. انتهى.

فإذا تقرر لك هذا؛ فإن كان حالق اللحية جاهلا بوجوبها، أو معتقدا حل حلقها مقلدا من يرى الكراهة فقط من الفقهاء، كما ينص عليه فقهاء الشافعية، فإنه لا يفسق بذلك، وأما من اعتقد تحريم حلقها، فأصر عليه، فإنه يفسق بذلك.

ثم الصلاة خلف الفاسق محل خلاف مشهور، والراجح صحتها، وهو قول الجمهور، وانظر الفتوى رقم: 115770، وإن كنت تعمل بالقول القاضي بالمنع، فلا حرج عليك، لكن لا تحكم بفسق الإمام إلا بعد التحقق من ذلك، وحد الفاسق مبين في الفتوى رقم: 369184.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة