الترهيب من الإعانة على المعاملات الربوية

0 100

السؤال

والدي لا يتورع عن أخذ الفوائد الربوية من البنوك، وفي إحدى المرات أخبرني والدي أني سأذهب معه إلى البنك في اليوم التالي؛ فوافقت. وعندما كنا داخل البنك في انتظار دورنا، سألت أبي حينها عن سبب ذهابنا للبنك، فأخبرني أنه يريد عمل شهادة استثمار باسمي بمبلغ معين بنسبة فائدة معينة -أظنها نسبة 20 %- كل ثلاثة أشهر، وهذا يتطلب مني توقيعي للبنك على الأوراق المطلوبة لعمل الشهادة؛ فانزعجت من ذلك، وأخبرته أن الفوائد محرمة. فتحدث معي عن مشكلة التضخم، وأن هذه الفوائد تعالج مشكلة التضخم، وطلب مني أن أمضي فقط على الأوراق المطلوبة، وأنه لن يجعل هذه الفوائد في حسابي، وسيأخذها هو لنفسه، فوافقت وأنا غير مرتاح لذلك.
وعندما فعلت المطلوب مني، وقمت بالتوقيع على الأوراق المطلوبة. ذهبت لصلاة الظهر في المسجد، وأحسست أني غير مرتاح إطلاقا، وشعرت بندم شديد على ما صنعت، وأني تورطت في ذنب عظيم، فبعدما انتهيت من صلاتي، وعدت إلى المنزل، أخبرت والدي أني لن أذهب لأي بنك مرة أخرى أبدا، فأخبرني أنه لا يمكن ذلك؛ لأن الفوائد لا يمكن تحصيلها كل ثلاثة أشهر إلا عندما نذهب معا، وأمضي لهم على الأوراق المطلوبة، فأصررت حينها أني لن أذهب للبنك أبدا، ولن أورط نفسي في الإعانة على الربا، وأن أكون من جملة الملعونين المذكورين في الحديث، فانزعج والدي، وبدأ يعاتبني، وطالبني بالهدوء، وعدم التشدد، وقال لي: هل تتهمني بأن أموالي من الحرام؟ فذكرت له أن أخذ الفوائد الربوية لا يجوز، وهي من المال الحرام، ولا يمكن المجاملة في ذلك، فقال لي: إن المطلوب مني هو الإمضاء على الأوراق فقط؛ حتى يتم تحصيل الفائدة، وهو سيأخذها لنفسه، ولن يضعها في حسابي، وأن أهدأ الآن، وعندما تمر الأشهر الثلاثة، نفكر بعدها فيما نفعل.
وعندما تحدثت مع والدتي في هذا الأمر؛ لفهم المسألة كاملة، والاطمئنان إذا كان في حسابي أموال ربوية أم لا، علمت أن هذا المال، الذي أودعناه لعمل شهادة الاستثمار، هو نتاج الربا أصلا من مال آخر، وأن لي أكثر من حساب، وذكرت لي تفاصيل هذه الأموال، وعلى كل حال فقد نويت حينها أن أتخلص من أية فوائد ربوية في أي من حساباتي في البنوك، أو البريد -بإذن الله- حينما يعطيني أبي المال ويكون في حيازتي، وسأقوم بسحب هذه الأموال من البنوك والبريد فورا عندما أملك هذا المال -بإذن الله-.
وأرغب في استشارتكم: ماذا أفعل في هذه المسألة؟ وهل أصر على موقفي، ولا أطيع والدي، ولا أمضي له على الأوراق المطلوبة، أم ماذا؟ وهل يجوز التعامل مع والدي في ماله الذي يصرف علي منه في مأكلي ومشربي ومسكني، والمصروف وغيره؟
وهل يجوز لي أن أتملك الأموال التي يضعها والدي في حساباتي فيما بعد بإذن الله، مع التخلص مما فيها من الفوائد الربوية جميعها، أم لا يجوز أصلا أن آخذ شيئا من هذه الأموال؟
وأنا أيضا أذكر أني قمت بعدة إجراءات من قبل لعمل أكثر من حساب في البنوك والبريد، والمتابعة كل فترة مع هذه الحسابات، ولا أذكر هل كنت حينها أعلم بأن عليها فوائد، أم كنت أجهل ذلك، ولا طبيعة هذه الإجراءات التي قمت بها، ما أذكره فقط هو أني ساعدت والدي في عمل شهادة الاستثمار الأخيرة، التي تحدثت عنها في سؤالي، مع علمي بأن عليها فوائد، وقد ندمت كثيرا على ذلك كما أخبرتكم، وأذكر أيضا أني قمت بفتح حساب جار في هذا البنك من قبل. تبين لي بعدها أن هذا الحساب تنتقل إليه الفوائد الناتجة من حساب آخر، وتوضع فيه.
فهل أنا مشارك لوالدي وللبنوك في الربا، معين لهم على ذلك؟ وهل تكون هذه من السيئات الجارية في صحيفتي، إلى أن أقوم بسحب هذه الأموال وتملكها، وإخراجها من البنك والبريد؟ وما الحل في الوقت الحالي حتى لا يكون ذلك من السيئات الجارية، وأتخلص من إثم ذلك تماما وتبعاته؟ وبالنسبة أيضا لزكاة هذه الأموال، فماذا أفعل إذا لم أكن أعلم هل يدفع والدي الزكاة من جزء من هذه الفوائد الربوية أم لا؟
أفيدوني بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فلا تجوز لك إعانة أبيك على المعاملات الربوية، ولا تلزمك طاعته في ذلك، وعليك أن تبين له حكم هذه المعاملات، وتطلعه على كلام أهل العلم بشأنها، وتحذره من عاقبتها، مع مراعاة أن يكون ذلك برفق وأدب. وانظر الفتوى رقم: 134356
وإذا كان مال أبيك مختلطا ولم يغلب عليه الحرام، فلا حرج عليك في الانتفاع بما ينفقه عليك، أو يعطيه لك، أما إذا كان ماله كله من الحرام أو أغلبه، فلا تنتفع منه إلا بقدر الضرورة، وراجع الفتوى رقم: 20986
وذهب بعض أهل العلم إلى جواز الانتفاع بمال الوالد المكتسب من المعاملات الربوية، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 363247
فعلى هذا القول، فإن أباك إذا وهبك الأموال التي يضعها في البنوك وغيرها، ويأخذ عليها فوائد ربوية، فيجوز لك قبول هذه الهبة، ولا يلزمك التخلص من شيء من هذه الأموال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات