الغلو في اتهام النفس والخوف من عدم الإخلاص مذموم

0 137

السؤال

أحسن الله إليكم.
في زمن الفتن يتمسك المسلم بأهل التقى والصلاح؛ ليخفف من غربته، وقد بحثت عن أهل القرآن لألازمهم، فذكروا لي مركزا علميا للدراسة، وقالوا لي: إن فيه شيخة من أفضل الناس علما وخلقا؛ فلم أتردد في الالتحاق به، لكني لم أقابل هذه الشيحة، ولم تدرسني، ومضى العام الأول بخير كثير، وفي العام الثاني ابتلينا بشيخة لا تحسن التعامل، وتسبب لنا حرجا وأذى، وكان جل تركيزها علي، ولا أعرف السبب! وكنت أصبر، وتصبرني زميلاتي، وبعضهن نصحنها، لكن بلا فائدة.
في الفترة الأخيرة بدأت تستدرجني في جدالات، ومهما حاولت تجنب ذلك لا أستطيع؛ فبدأت أحاول عدم الاحتكاك بها، واستشرت شيخة فاضلة في الأمر، وذكرت لها أنني أخشى على ديني، وأن تذهب بركة العلم، وأن هذا ليس جو القرآن الذي أريده، فقامت هذه الشيخة بإيصال مشكلتي إلى الشيخة الكبيرة، التي سمعت عن حسن خلقها، ولم أرها، وكنت أحبها في الله كثيرا؛ لما أسمع عنها من خير، رغم أني حذرت الثانية من إيصال شكواي إليهن؛ حتى لا يصيبني أذى.
وصلت الشكوى إلى الشيخة التي أعاني منها، ويبدو أنها قررت أن تنتقم مني بأن لا أكمل دراستي، فقامت بتشويه صورتي أمام الجميع -من شيخات، وإداريات، ومديرات-، في وقت لم يحدث بيني وبينها أي احتكاك، أو سوء تفاهم، وذهبت إلى الشيخة الكبيرة، وقالت عني كلاما لم أصدق أن يصدر من شيخة تحفظ كتاب الله وتعلمه، وكان رد فعل الشيخة الكبيرة أن اتصلت بي وهاجمتني هجوما شديدا، واتهمتني بسوء الخلق، فحاولت أن أوضح لها الأمر، وشعرت أنها شعرت أن هناك شيئا غير صحيح، ثم راسلتها ووضحت لها أن هذه الشكوى من الشيخة جاءت ردة فعل لما أوصلته لها عني من شكوى.
واستمرت في حملتها ضدي، فقررت مقابلة الشيخة الكبيرة؛ لما أسمعه عنها من حسن خلق، ودين، وقد أعطتني من وقتها ولم تقصر، لكني تفاجأت من أسلوبها معي، وأنها متجنية علي دون أن تسمع مني، وإذا قلت لها: استشهدي زميلاتي، ترفض، ولا تعير كلامي اهتماما، فتفاجأت بهذا الخلق، وبدأت ألوم نفسي وديني، وأقول: لعل الله غير راض عني؛ لذلك أراني في أهل الخير ما أكره، وما لم يره أحد غيري، وفي نهاية اللقاء وعدتني أن تعقد جلسة صلح تحاول فيها حل المشكلة، وقد أكدت عليها مجددا أن سبب المشكلة الكلام الذي نقلته إليها؛ مما زادها حنقا علي، وبعدها قامت الشيخة التي تشكو مني برفع شكوى للشيخ المسؤول عن المركز؛ فقام بفصلي، فتعجبت من سلوكهن، وأنه يخالف خلق القرآن، وتعجبت من عدم وفاء الشيخة الكبيرة بعقد جلسة الصلح، وعندما راجعتها قالت: (الخيرة فيما اختاره الله)، ثم راسلت الشيخ المسؤول، وذكرته بالله، وعرضت عليه أدلة من الكتاب والسنة تبين أن هذا الذي حدث لا يرضي الله، وأنه ينبغي له أن يسمع مني، ويسعى إلى إصلاح ذات البين، مما يحث عليه ديننا الحنيف، فطلب لقائي، وتفاجأت أنه طلبني ليهينني، ويكيل لي الاتهامات، ولا أخفيكم أني صدمت بخلقه، وأسلوبه، ونظراته، فقد رأيت شيئا لم أتخيله أبدا، هذا باختصار، وإن كنت أسهبت.
ما أعاني منه منذ ذلك الحين أمران:
الأول: صدمتي في مشايخ كبار من أهل القرآن، وأنهم لا يعملون به، وإذا ذكروا لا يذكرون، وزاد هذا الأمر غربتي، وأصابني إحباط من حال الأمة، وكثيرون ذكروا لي أن هذا بسبب اختلاف جنسيتي عنهن، وهذا أمر شائع، كما يزعمون، لكني لم أتصوره فيمن يخاف الله، ويعلم حدوده.
الأمر الآخر، وهو الأشد: أنني أتهم نفسي كثيرا، وأرى أن الله غير راض عني، وربما تكون نيتي غير خالصة؛ لذلك أراني ما أكره فيمن يذكرهم الجميع بكل خير، فلم يكن سمعي الذي أسمع به، ولا بصري الذي أبصر به.
ربما عندي شيء من الوسواس في نيتي، وإخلاصي، ودائما أحاسب نفسي، لكن هذا الأمر آذاني جدا، وجعلني أفكر في أعمال صالحة قمت بها، ربما لم يقبلها الله، وعاقبني، أريد توجيها شرعيا لهذين الأمرين.
هذا الأمر كان شديدا علي جدا، فلم أمر بألم أو أذى أشد منه في حياتي، حتى إنه بدأت تظهر علي علامات بهاق -عافاني الله وإياكم-، وجاهدت نفسي حتى سامحتهم، وأخذت أدعو لهم، لكن الأمر كثيرا ما يأتي على بالي، وأتذكر ظلمهم وتجبرهم، وأشعر بالأسى من حال المسلمين، خصوصا بعد ظهور علامات المرض علي، ربما لأنني أحاول أن تكون نفسيتي جيدة، خوفا من تطور المرض، فيأتي الشيطان ليحزنني.
لا أدعي الكمال والصلاح؛ فأنا مليئة بالعيوب كغيري، لكني أجاهد نفسي، وأحاسبها، وأصلحها، ودائما أرجع لشرع الله، وأجعله الحكم الفاصل في أموري.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فلا ريب في كون حملة القرآن ومعلميه من أولى الناس بالتحلي بالأخلاق الكريمة، والصفات الحميدة، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيا، ولا غافلا، ولا صخابا، ولا ضاحكا، ولا حديدا.

لكن الكمال عزيز، والعاقل يحرص على ما ينفعه، ولا يصده عن الانتفاع بما عند أهل الفضل ما يراه من زلاتهم، وهفواتهم، وراجعي الفتويين: 93432، 103867.

وأما دلالة ما حصل على عدم رضى الله عنك، أو كون نيتك غير خالصة، فهذا غير مسلم، فالابتلاء للعبد ليس بالضرورة عقوبة له، أو دليلا على هوانه على الله، بل قد يكون الابتلاء دليل محبة من الله تعالى، وسببا لرفع الدرجات، ونيل الثواب العظيم؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي.

لكن اتهام النفس، والرجوع إلى الله، وتجديد التوبة، مطلوب، ولا سيما عند نزول البلاء؛ بشرط ألا يكون في الأمر غلو ومبالغة.

فالغلو في اتهام النفس، والخوف من عدم الإخلاص، مذموم، وعواقبه سيئة.

والصواب أن يكون العبد مقتصدا، فلا يتهاون في اتهام النفس بحيث يتجرأ على المعاصي، ولا يفرط في اتهامها بحيث يحصل له اليأس.

وللفائدة، ننصحك بالتواصل مع قسم الاستشارات بموقعنا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات