الخوف من الموت المثمِر هو الحامل على الاجتهاد في طاعة الله تعالى

0 64

السؤال

من كثرة خوفي من ربي، تمنيت لو أني لم أخلق بشرا، ليتني خلقت حجرا، أو شجرا.
أنا فتاة أبلغ من العمر 28 سنة، توفي أبي وأنا في الرابعة، وتركني مع ثلاث أخوات، وأخي، وأمي؛ حيث أصبحت هي المعيل الوحيد لخمسة أطفال، أكبرهم يبلغ 13 سنة فقط.
من كثرة حرص أمي على تربيتنا تربية صالحة، خصوصا نحن البنات -جزاها الله عنا خير جزاء، ورزقها الجنة بغير حساب ولا سابق عذاب- من حرصها اعتمدت منهجا في التربية كان من وجهة نظرها صحيحا، لكنه أدى إلى ما أنا عليه الآن من خوف، ورعب، وقلق.
لم أذكر قط أن أمي حدثتني عن أمر من الأمور الخاصة التي تحدث للفتاة، ظنا منها أنه عيب، فعانيت كثيرا وأنا أطرح عدة أسئلة بيني وبين نفسي عن جسدي، ونفسي، ورغباتي، وكياني، فقد بلغت الرابعة عشرة وليس لدي أدنى فكرة عن ماهية العادة الشهرية، ومتى تأتي، وكم تستمر، إلى أن بلغت في يوم من الأيام، وبدأت أكتشف شيئا فشيئا هذا الحدث الغريب، وكنت أصوم رمضان وأنا حائض، ولم أكن أفطر؛ ظنا مني أنه عيب -كما علمتني أمي-، ولم أكن أقضي الصيام؛ فقد كنت أستحيي أن يعلم من في البيت أني أفطرت في رمضان، وتراكمت علي أيام القضاء إلى 60 يوما، ولا زالت في ذمتي إلى اليوم -أسأل الله أن يعينني على قضائها-.
لم يحدث قط أن حدثني شخص قريب عن الصلاة وأهميتها، أو ضرورة لبس الحجاب، أو الصيام، أو حدثني عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.
عشت هكذا دون صلاة، ولا ذكر، ولا حجاب حتى بلغت 25، لكني -والله يشهد علي- كنت صالحة، فلم أصادق شبابا، وكان لبسي محتشما نوعا ما، وكنت أدرس جيدا، ولم أكذب، ولم أخدع، ولم أسرق، ولم أؤذي أحدا قط، وكنت أظن أن الله يحبني؛ رغم ما كنت أعيشه من غفلة، وتفريط في أمور ديني.
في تلك الفترة ابتلاني الله -والحمد لله- بمرض بسيط، لكني ظننت أنه مرض مميت، وشعرت حينها بضعف شديد، وأغلقت في وجهي الأبواب، ولم أجد بابا ألجأ إليه إلا باب الله العظيم، وبدأت بالصلاة، والدعاء أن ينجيني الله مما أنا فيه فورا، فأنا لا أريد الموت على هذا الحال، وليس في رصيدي ركعة واحدة، وعلي صيام 60 يوما، وحجابي لم يكن حجابا حقيقيا -كما أمرنا الله عز وجل-.
حينها بدأت البحث في أمور ديني، وأردت أن أعرف العلة من وجودي في هذه الحياة، وبدأت بمشاهدة الفيديوهات على اليوتيوب لعدة دعاة ومشايخ؛ فعرفت حينها أني لم أكن أحيا كما أرادني الله أن أحيا على ظهر هذه الأرض، وكنت على وشك أن أدفن في بطنها وأنا غافلة تائهة عاصية مذنبة.
مند ذلك الحين وأنا أسعى لتعويض ما فاتني من سنين، وأدعو ربي أن يبارك في صحتي، وفي عمري، وأن يدخلني برحمته في عباده الصالحين، لكني أضعف أحيانا أمام وساوس الشيطان، وأخاف أن أموت وليس في رصيدي سوى ثلاث أو أربع سنوات من العبادة الحقة.
أحس أني مهما فعلت، فلن أعوض ما فاتني، وأن الناس جميعهم أفضل مني، وأخاف كثيرا من الموت؛ لأني بلا زاد، ولم أعد لها شيئا، وأخاف من القبر، وأخاف من الله ربي أن يعاقبني، فإني –والله- لا أتحمل عذاب ربي.
أرجوكم أفيدوني في أمري هذا، وأفتوني ماذا أفعل ليحبني ربي، ويرضى عني، ويكفر عني سيئاتي، ويجعلني من الصالحين -جزاكم الله خيرا، ورضي عنكم، وأرضاكم-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: 

 فالحمد لله الذي تاب عليك، واستنقذك من هذه الغفلة، فاجتهدي في حمده وشكره تعالى، والثناء عليه بما هو أهله.

وأما خوفك من الموت وما بعده، وخوفك من الله تعالى؛ فهو أمر حسن محمود، لكن لا ينبغي أن يكون خوفا مرضيا، مقعدا عن العبادة، صادا عن الطاعة، وإنما يجب أن يكون خوفا مثمرا، حاملا على الاجتهاد في طاعة الله تعالى، وضمي إليه الرجاء، وحسن الظن بالله تعالى؛ ليعتدل ميزان العمل ويصلح، ويستقيم سير القلب إلى الله سبحانه، وانظري الفتوى رقم: 305968.

وأما ما مضى من الصلوات التي تركتها، ففي وجوب قضائها خلاف بين العلماء، انظري لمعرفته الفتوى رقم: 128781.

وحيث أردت القضاء -وهو الأحوط-، فإن كيفيته مبينة في الفتوى رقم: 70806.

وأما الصيام فبادري بقضائه، وانظري الفتوى رقم: 123312.

وختاما: ننصحك بالاجتهاد في طاعة الله، ولزوم ذكره، وصحبة أهل الخير، والاجتهاد في الدعاء بأن يثبتك الله تعالى على الحق، وإحسان الظن به سبحانه، واستحضار سعة رحمته، وعظيم جوده، وواسع بره وإحسانه؛ فإن ذلك يذهب عنك هذا القلق، والخوف المبالغ فيه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات