0 59

السؤال

قد ذكرت كلمة: "تبارك الله" في مواطن عديدة، وجاءت بعدها أشياء مختلفة عن علاقتها بما جاء بعدها، حيث إن تبارك، تختلف عن أن يبارك العبد، أو النبي صلى الله عليه وسلم؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا ندري ما الذي تسألين عنه بالتحديد!

وعلى كل؛ فإن وصف (تبارك) مختص بالله سبحانه، ولا يوصف به غيره، وهو دال على كمال بركته تعالى، وعظمها، وسعتها.

قال ابن القيم: وأما البركة: فكذلك نوعان أيضا:

أحدهما: بركة هي فعله تبارك وتعالى، والفعل منها: بارك، ويتعدى بنفسه تارة، وبأداة على تارة، وبأداة في تارة، والمفعول منها: مبارك، وهو ما جعل كذلك، فكان مباركا بجعله تعالى.

والنوع الثاني: بركة تضاف إليه إضافة الرحمة، والعزة، والفعل منها: تبارك؛ ولهذا لا يقال لغيره ذلك، ولا يصلح إلا له عز وجل، فهو سبحانه المتبارك، وعبده ورسوله المبارك، كما قال المسيح عليه السلام: {وجعلني مباركا أين ما كنت}، فمن بارك الله فيه، وعليه، فهو المبارك.

وأما صفته تبارك، فمختصة به تعالى، كما أطلقها على نفسه بقوله: {تبارك الله رب العالمين}، {تبارك الذي بيده الملك}، {فتبارك الله أحسن الخالقين}، {وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون}، {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده}، {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك}، {تبارك الذي جعل في السماء بروجا}، أفلا تراها كيف اطردت في القرآن جارية عليه، مختصة به، لا تطلق على غيره. وجاءت على بناء السعة، والمبالغة، كتعالى، وتعاظم، ونحوهما، فجاء بناء تبارك على بناء تعالى، الذي هو دال على كمال العلو، ونهايته، فكذلك تبارك دال على كمال بركته، وعظمها، وسعتها، وحقيقة اللفظة: أن البركة كثرة الخير، ودوامه، ولا أحد أحق بذلك وصفا، وفعلا منه تبارك وتعالى. اهـ. من بدائع الفوائد باختصار.

وقال أيضا: وإنما تبارك تفاعل من البركة، وهذا الثناء في حقه تعالى إنما هو لوصف رجع إليه، كتعالى، فإنه تفاعل من العلو؛ ولهذا يقرن بين هذين اللفظين، فيقال: تبارك وتعالى. وفي دعاء القنوت: تباركت وتعاليت.

وهو سبحانه أحق بذلك وأولى من كل أحد، فإن الخير كله بيديه، وكل الخير منه، صفاته كلها صفات كمال، وأفعاله كلها حكمة، ورحمة، ومصلحة، وخيرات لا شرور فيها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: والشر ليس إليك، وإنما يقع الشر في مفعولاته، ومخلوقاته، لا في فعله سبحانه.

فإذا كان العبد وغيره مباركا لكثرة خيره ومنافعه، واتصال أسباب الخير فيه، وحصول ما ينتفع به الناس منه، فالله تبارك وتعالى أحق أن يكون متباركا.

وهذا ثناء يشعر بالعظمة، والرفعة، والسعة، كما يقال تعاظم، وتعالى، ونحوه، فهو دليل على عظمته، وكثرة خيره، ودوامه، واجتماع صفات الكمال فيه، وأن كل نفع في العالم كان ويكون، فمن نفعه سبحانه، وإحسانه.

ويدل هذا الفعل أيضا في حقه على العظمة، والجلال، وعلو الشأن؛ ولهذا إنما يذكره غالبا مفتتحا به جلاله، وعظمته، وكبرياءه؛ قال تعالى: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} {الأعراف:54}، وقال تعالى: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا} {الفرقان:1}، وقال تعالى: {تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا} {الفرقان:61}، {وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون} {الزخرف:85}، {تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير} {الملك:1}، وقال تعالى عقب خلق الإنسان في أطواره السبعة: {فتبارك الله أحسن الخالقين} {المؤمنون:14}، فقد ذكر تبارك سبحانه في المواضع التي أثنى فيها على نفسه بالجلال، والعظمة، والأفعال الدالة على ربوبيته، وإلهيته، وحكمته، وسائر صفات كماله من إنزال الفرقان، وخلق العالمين، وجعله البروج في السماء والشمس والقمر، وانفراده بالملك، وكمال القدرة .اهـ من جلاء الأفهام.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات