تفسير قوله تعالى: "وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ"

0 52

السؤال

في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما * ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا)، هل المقصود أن العذاب لمن يقتل أخاه فقط، أم من ينتحر عدوانا و ظلما؟ وهل هنالك انتحار أو قتل نفس دون ظلم وعدوان، لن يعاقب الله فاعله؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فقوله تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم. يشمل النهي عن قتل الإنسان نفسه، والنهي أيضا عن قتل الناس بعضهم بعضا، بل إنها أولت بما هو أشمل من هذين الأمرين، قال ابن الجوزي في زاد المسير، قوله تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم، فيه خمسة أقوال:

أحدها: أنه على ظاهره، وأن الله حرم على العبد قتل نفسه، وهذا الظاهر.

والثاني: أن معناه: لا يقتل بعضكم بعضا، وهذا قول ابن عباس، والحسن، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وقتادة، والسدي، ومقاتل، وابن قتيبة.

والثالث: أن المعنى: لا تكلفوا أنفسكم عملا ربما أدى إلى قتلها، وإن كان فرضا، وعلى هذا تأولها عمرو بن العاص في غزاة ذات السلاسل، حيث صلى بأصحابه جنبا في ليلة باردة، فلما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، قال له: يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فقال: يا رسول الله، إني احتلمت في ليلة باردة، وأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فذكرت قوله تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والرابع: أن المعنى: لا تغفلوا عن حظ أنفسكم، فمن غفل عن حظها، فكأنما قتلها، هذا قول الفضيل بن عياض.

والخامس: لا تقتلوها بارتكاب المعاصي. اهـ.

وأما: هل هناك انتحار من غير عدوان أو ظلم؟

فالجواب: نعم، وهذا لا يخفى، فقد يفعل الإنسان شيئا يفضي إلى هلاكه، وهو لا يقصد ذلك، كمن أكل أو شرب شيئا يظنه طعاما أو شرابا وهو سم قاتل، فيموت بسببه، فهذا قتل نفسه، لكنه على سبيل الخطأ، كمن يقتل غيره على سبيل الخطأ، قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا. قال: وقيد الوعيد بذكر العدوان، والظلم؛ ليخرج منه فعل السهو، والغلط. اهـ.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات