التداوي بالمحرم مع وجود الدواء المباح الأقل فاعلية

0 34

السؤال

بخصوص مجال بحث وتطوير الأدوية لعلاج الأمراض: ذكرتم في إحدى الفتاوى: أن الأصل أنه لا يجوز الانتفاع بالخنزير، وغيره من النجاسات، مثل الكحول؛ لأنها أنجاس محرمة، لكن إذا كان لضرورة العلاج، ولم يوجد من المباحات ما يقوم مقامها، فلا مانع حينئذ من استعمالها بقدر الضرورة.
والسؤال هو: ما معنى: "لا يوجد ما يقوم مقامها"، فإذا وجدنا مادة مباحة، طاهرة، والأخرى محرمة، ونجسة، ولكن الثانية تقوم بعلاج ومكافحة نفس المرض بكفاءة أعلى، فما الحكم؟
فإذا كانت هناك أدوية مباحة تعالج أمراضا، واكتشف العلماء دواء يعمل بكفاءة أعلى، وفاعلية وتأثير في مرض، ولكن فيه نجاسات، فهل يكون ذلك محرما؟ ولو كان مباحا، فما الأفضل؟ وهل الأفضل العمل طبيبا، وإنقاد حياة أناس، أم البحث وتطوير أدوية؛ لتكون مساعدة مع غيرها من الأدوية في علاج أمراض، وإيصالها لأناس أكثر ممن قد يعالجهم الطبيب -بإذن الله- طوال حياته؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالتداوي بمستخلص من الخنزير، ونحوه، كالكحول، إن كان في ظاهر البدن، فهو جائز، عند كثير من أهل العلم، كأن يدهن به بدنه، أو نحو ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: وأما التداوي بأكل شحم الخنزير، فلا يجوز.

وأما التداوي بالتلطخ به، ثم يغسله بعد ذلك، فهذا ينبني على جواز مباشرة النجاسة في غير الصلاة، وفيه نزاع مشهور.

والصحيح أنه يجوز للحاجة، كما يجوز استنجاء الرجل بيده، وإزالة النجاسة بيده.

وما أبيح للحاجة، جاز التداوي به، كما يجوز التداوي بلبس الحرير، على أصح القولين.

وما أبيح للضرورة، كالمطاعم الخبيثة، فلا يجوز التداوي بها، كما لا يجوز التداوي بشرب الخمر، لا سيما على قول من يقول: إنهم كانوا ينتفعون بشحوم الميتة في طلي السفن، ودهن الجلود، والاستصباح به، وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وإنما نهاهم عن ثمنه؛ ولهذا رخص من لم يقل بطهارة جلود الميتة بالدباغ، في الانتفاع بها في اليابسات، في أصح القولين، وفي المائعات التي لا تنجسها. انتهى.

 وعليه؛ فإن كان هذا الدواء يوضع في مرهم، أو نحوه مما يستعمل في ظاهر البدن، فلا بأس.

وأما إن كانت تلك الأدوية مما يؤكل، أو يشرب، فقد اختلف العلماء في جوازها، فذهب بعضهم إلى أنها لا تجوز مطلقا، ولو أدى ذلك إلى الهلاك، وذهب بعضهم إلى أن الدواء المحرم إذا تعين طريقا للشفاء، بخبر الطبيب الثقة، جاز استعماله.

 وللمجوزين قولان فيما إذا قام مقام هذا الدواء المحرم، دواء آخر مباح، لكن المحرم أكثر فاعلية منه، وتفصيل ذلك -كما جاء في الموسوعة الفقهية-: أما إذا كان الاحتقان لضرورة، ومتعينا، فقد أجاز الحنفية، والشافعية الاحتقان لضرورة، إذا كانت الضرورة يخشى معها على نفسه، وأخبره طبيب مسلم حاذق أن شفاءه يتعين التداوي بالمحرم، على أن يستعمل قدر حاجته. وقالوا: إن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم"، نفى الحرمة عند العلم بالشفاء، فصار معنى الحديث: إن الله تعالى أذن لكم بالتداوي، وجعل لكل داء دواء، فإذا كان في ذلك الدواء شيء محرم، وعلمتم أن فيه الشفاء، فقد زالت حرمة استعماله؛ لأن الله تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم. وأيد هذا ابن حزم.

أما إذا كان التداوي بالمحرم؛ لتعجيل الشفاء، ففي المسألة رأيان للحنفية، والشافعية، فبعضهم منعه؛ لعدم الضرورة في ذلك، ما دام هناك ما يحل محله. وبعضهم أجازه إذا أشار بذلك طبيب مسلم حاذق.

ويرى المالكية، وهو رأي للحنابلة: أنه لا يجوز الطلاء، ولا الاحتقان، والتداوي بالخمر، والنجس، ولو أدى ذلك إلى الهلاك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر له النبيذ يصنع للدواء، فقال: إنه ليس بدواء، ولكنه داء. انتهى.

فإذا علمت ما مر؛ فمن قلد من يفتي بجواز التداوي بالمحرم عند الضرورة، فلا حرج عليه، لكن ينبغي أن تقدر الضرورة بقدرها، وألا يلجأ إلى المحرم إلا إذا تعين طريقا للتداوي، فإن كان ثم دواء أقل نفعا منه، لكن المقصود يحصل به، فلا ينبغي العدول عنه إلى الدواء المحرم.

وأما الأفضل في العمل كطبيب، أو كباحث في مجال الأدوية: فالأمر واسع -إن شاء الله-، ومع النية الصالحة يؤجر العبد على ما يعمله؛ حتى من أمور الدنيا.

وما كان أكثر نفعا للمسلمين، فهو أولى، ثم لينظر الشخص في اهتماماته، وميوله، والمجال الذي يمكنه الإنجاز فيه بصورة أكبر، فإن كلا ميسر لما خلق له.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة