مَن حفظ مجموعة من الأحاديث هل يمكنه الاجتهاد في بعض المسائل؟

0 15

السؤال

هل يحق لي الاجتهاد في بعض المسائل الدينية؛ كالمسائل الخلافية بين أهل العلم، وأعمل بها لنفسي؛ كالشبهات، والتحريم والتحليل، ما عدا الحرام المذكور في القرآن والسنة بشكل واضح، علما أني أفهم الأحاديث، وأنا حافظ لكثير من الأحاديث، ولكني لست حافظا للقرآن. وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فالجواب عما سألت عنه من حيث الإجمال هو: أنه يمكن تقسيم الناس في هذا الباب إلى ثلاثة أصناف، أو مراتب: عالم مجتهد، وطالب علم مميز، وعامي:

فالأول: متأهل للاجتهاد بنفسه.

والثاني: عنده من العلم ما يطلع به على أقوال العلماء، وينظر في أدلتهم، ويميز بينها، ويعمل بما يترجح عنده منها، ولو كان ذلك في باب دون آخر، أو في مسألة دون غيرها؛ كأن كان عالما بباب الطهارة مثلا، ملما بمسائله إلماما تاما دون غيره من الأبواب، فله أن يفتي في الباب الذي حازه وتمكن فيه. 

وقد ذكر أهل الأصول أن الاجتهاد يتجزأ، فقد يكون المرء مجتهدا في باب الطهارة دون البيوع، والفرائض، وهكذا، قال الشوكاني في إرشاد الفحول: المسألة الثالثة: في تجزؤ الاجتهاد، وهو أن يكون العالم قد تحصل له في بعض المسائل ما هو مناط الاجتهاد من الأدلة دون غيرها، فإذا حصل له ذلك، فهل له أن يجتهد فيها أو لا، بل لا بد أن يكون مجتهدا مطلقا، عنده ما يحتاج إليه في جميع المسائل؟ فذهب جماعة إلى أنه يتجزأ، وعزاه الصفي الهندي إلى الأكثرين، وحكاه صاحب "النكت" عن أبي علي الجبائي، وأبي عبد الله البصري. قال ابن دقيق العيد: وهو المختار؛ لأنها قد تمكن العناية بباب من الأبواب الفقهية، حتى تحصل المعرفة بمآخذ أحكامه، وإذا حصلت المعرفة بالمآخذ، أمكن الاجتهاد. قال الغزالي، والرافعي: يجوز أن يكون العالم منتصبا للاجتهاد في باب دون باب. انتهى.

والثالث - وهو العامي -: مقلد لأهل العلم، لا يسعه الاجتهاد، ولا النظر في الأدلة، وإنما يسأل من يثق به من أهل العلم، ويعمل بما يفتيه به، يقول الدكتور عياض السلمي في كتاب: أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله: ... وأما المقلد الذي لا قدرة له على فهم الأدلة، والموازنة بينها، ففرضه سؤال من يثق في علمه ودينه من العلماء؛ لقوله تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون {النحل:43}، وأما طالب العلم القادر على التمييز بين الراجح والمرجوح، فإن تبين له رجحان أحد القولين، أخذ به، وإلا قلد عالما. اهـ.

وبناء عليه؛ فإذا درست العلوم الشرعية، وحزت من العلم نصيبا يمكنك به التمييز بين الراجح والمرجوح من أقوال العلماء، فلك حينئذ النظر في أدلتهم في المسائل الخلافية، والأخذ منها بما ترجح لديك، علما بأن ملكة الترجيح هذه تعتمد على فهم قواعد اللغة، وقواعد الفقه، وأصوله، وقبل أن يصل المرء تلك المرحلة، فحكمه حكم العامي الذي يجب عليه سؤال أهل العلم، وتقليدهم فيما يفتونه به.

ولو اختلف الأقوال عليه، فيسأل من أهل العلم من يقدر على الترجيح، ما دام هو لم يبلغ تلك المرحلة؛ لعدم تحصيله آلاتها.  

وهنا يجدر التنبيه إلى أن حفظ بعض الأحاديث في باب، أو في مسألة ما، لا يعطي طالب العلم أحقية الترجيح، ما لم يحط علما بما يتعلق بتلك الأحاديث من حيث الدلالة، والثبوت، وغير ذلك مما هو مفصل في كتب أصول الفقه.

وبالنسبة لدرجة الاجتهاد المطلق، فإنها مرحلة متقدمة جدا من العلم، والفهم للدين بحكم التبحر في مختلف العلوم الشرعية، والتمكن من مختلف الوسائل المعينة على ذلك، كاللغة والمنطق... وقل من يصل إليها، وقد بينا شروط الاجتهاد وضوابطه في الفتوى: 34462.

 والله أعلم. 

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة