لماذا خلق الله تعالى السماوات رغم كبرها في يومين والأرض في أربعة أيام؟

0 10

السؤال

إذا كانت الأرض لا تساوي شيئا في هذا الفضاء، كما تقول عنها ناسا، وجميع وكالات الفضاء؛ لأن هذا الفضاء يضم المليارات، أو البليارات من المجرات، والمجرة الواحدة تضم الملايين، أو البلايين من النجوم، والنجمة الواحدة منها أكبر من الأرض بملايين، أو بلايين المرات، فكيف يخلقها الله عز وجل في أربعة أيام كاملة، ويخلق باقي الكواكب، والنجوم، والسماوات السبع التي هي أكبر من هذا الفضاء بكثير في يومين فقط؟ هذا مع أن كل العناصر -مثل: الجبال، والصخور، والأحجار، والأتربة، والغازات، والهواء، والمياه، والغلاف الجوي موجودة على كثير من الكواكب الأخرى (التي ليست نجوما) حسب كلامهم-، بل وأكبر من الأرض بعشرات، أو مئات، أو آلاف المرات، فإذا كانت هذه الأرض أصغر من ذرة في هذا الكون، فكيف يخلقها الله في أربعة أيام كاملة، وباقي الأجرام في يومين فقط؟ ثم إذا كانت الأرض بكل هذا الصغر، وأنها أقل حتى من حبة الغبار بكثير بالنسبة لباقي الأجرام، لدرجة أنها غير مرئية أبدا من شدة صغرها، فلماذا يقرنها الله بحجم السماوات، كما في قوله تعالى: [وسع كرسيه السماوات والأرض]، [جنة عرضها السماوات والأرض]، [وجنة عرضها كعرض السماء والأرض]، هذا غير منطقي أبدا، فالأولى أن يكتفي الله بقول: (كعرض السماء) فقط، وأنا أظن أنهم يكذبون علينا؛ لأن كلامهم لا يتطابق أبدا مع القرآن، أليس من يصدقهم يعتبر مكذبا للقرآن؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فأما السؤال الأول: فإنما يتجه إذا كانت مدة الخلق - طولا أو قصرا - متعلقة بحجم الخلق، أو سعته، أو تعقيده، أو دقته، أو نحو ذلك مما تتفاوت القدرة عليه في حق الناس. وأما الله تعالى فلم يخلق السماوات والأرض في الأيام الستة لعجزه - سبحانه وتعالى - عن خلقها في لحظة واحدة دفعة واحدة!! فليس الأمر كذلك، فلو أراد الله عز وجل خلقها في لحظة لفعل، فإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له: كن، فيكون، ولكنه سبحانه أراد - كما قال القرطبي في تفسيره: أن يعلم العباد الرفق، والتثبت في الأمور .. وحكمة أخرى: خلقها في ستة أيام؛ لأن لكل شيء عنده أجلا. وبين بهذا ترك معاجلة العصاة بالعقاب؛ لأن لكل شيء عنده أجلا، وهذا كقوله: {ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب. فاصبر على ما يقولون}، بعد أن قال: {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا}. اهـ. 

وقال أبو السعود في إرشاد العقل السليم: في خلق الأشياء مدرجا مع القدرة على إبداعها دفعة، دليل على الاختيار، واعتبار للنظار، وحث على التأني في الأمور. اهـ.

وقال ابن الجوزي في زاد المسير: فإن قيل: فهلا خلقها في لحظة، فإنه قادر؟ فعنه خمسة أجوبة:

أحدها: أنه أراد أن يوقع في كل يوم أمرا تستعظمه الملائكة، ومن يشاهده، ذكره ابن الأنباري.

والثاني: أنه التثبت في تمهيد ما خلق لآدم وذريته قبل وجوده، أبلغ في تعظيمه عند الملائكة.

والثالث: أن التعجيل أبلغ في القدرة، والتثبيت أبلغ في الحكمة، فأراد إظهار حكمته في ذلك، كما يظهر قدرته في قوله: {كن فيكون}.

والرابع: أنه علم عباده التثبت، فإذا تثبت من لا يزل، كان ذو الزلل أولى بالتثبت.

والخامس: أن ذلك الإمهال في خلق شيء بعد شيء، أبعد من أن يظن أن ذلك وقع بالطبع، أو بالاتفاق. اهـ.

وإذا كان الأمر كذلك؛ فلا يصح أن يقال: لماذا خلق السماوات برغم كبرها في يومين، وخلق الأرض برغم صغرها في أربعة؟! وهذا على التسليم بتفصيل هذه المدد، وإلا فهذا موضع خلاف ونظر.

وعلى أية حال؛ فالأليق والأقرب للفهم أن ما يتعلق بالمكلفين - وهو الأرض التي يعيشون عليها - يكون محلا للاهتمام الزائد، والمبالغة في إثبات الحكمة؛ لأن هذا هو المتعلق المباشر بهم؛ ولهذا قال تعالى: الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون * وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون {الجاثية:12-13}.

فكأن هذا الخلق المحكم بالتسخير من الله تعالى غايته استخراج عبادتي الشكر، والتفكر، المؤدي لزيادة الإيمان، ومعرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، قال تعالى: ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة {لقمان:20}، وقال سبحانه: ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم {الحج: 65}، وانظر للفائدة الفتويين: 22344، 190003.

وهذا نفسه هو المدخل لجواب السؤال الثاني، فالأرض وإن كانت لا تمثل في سعة الكون حبة رمل في صحراء، إلا أنها بالنسبة للإنسان هي مستقره الذي يحيى فيه، ولا يستطيع العيش دونه، فالتنويه بذكرها تذكير مباشرة بشيء محسوس لجميع بني آدم، وهو أدعى للامتنان، وشكر الله تعالى؛ ولذلك كان من المناسب أن يكون اهتمام القرآن بالحديث عنها أكبر، وأعظم من غيرها من أجزاء الكون الواسع الفسيح، كما سبق أن أشرنا إليه في الفتوى: 128648.

وإذا تبين هذا؛ اتضح أن الكلام الذي بدأ به السائل لا يتعارض مع القرآن، وأن تصديقه لا يعتبر تكذيبا للقرآن!

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات