تفسير الآيتين من سورة النساء: "وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا..."

0 14

السؤال

أود تفسير الآيتين من سورة النساء: "واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا (15) واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما (16)"، فقد قرأت عدة تفاسير، لكنني لم أقتنع بأي تفسير، وقد جاء في التفاسير التي قرأتها ما يأتي:
الأول: أن الآية الأولى فيها عقاب النساء الزانيات، وهو الحبس في البيوت، والآية الأخرى فيها عقاب الرجال الزناة، وهو الإيذاء، لكنني لم أقتنع بهذا التفسير؛ لوجود الضمير "اللذان"، ففي كلام العرب التعميم يكون باستخدام صيغة الجمع، أو المفرد، لا المثنى، فلو أراد الله بهذه الآية الحديث عن الرجال الزناة؛ لقال: (و"الذين" يأتون الفاحشة منكم...).
والثاني: أن الآية الأولى كانت في النساء المحصنات، والآية الثانية كانت في الرجل والمرأة البكرين، حيث استدلوا بالضمير "اللذان" على الرجل والمرأة، ولكن هذا أيضا فيه نقص، حيث ذكرت عقوبة النساء المحصنات، ولم تذكر عقوبة الرجال المحصنين، بالإضافة إلى أنه لا يوجد لفظ في الآيتين يدل على التفريق بين البكر والثيب.
والثالث: أن الآية الأولى تتحدث عن السحاق، والثانية عن اللواط، وهذا أيضا غير مقنع؛ لأنه ورد حديث بخصوص الآية الأولى، وكان الحديث فيه حد الزنى، وليس السحاق، وهذا الحديث هو: "خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا...إلخ"
وإذا قلنا: إن الآية الأولى تتحدث عن عقوبة الزنى بالنسبة للنساء، بينما الآية الثانية تتحدث عن اللواط، فإن هذا احتمال بعيد؛ لاختلاف معنى كلمة "الفاحشة" التي دل عليها الضمير "ها" في الآية الثانية عن معناها في الآية الأولى. ولأن هذا أيضا يرجعنا إلى سؤالنا السابق: لماذا لم تذكر عقوبة الرجال؟
والرابع: أن عقوبة الزناة كانت بالتدرج، حيث كانت في البداية "الإيذاء"، كما ذكر في الآية 16، ثم تحولت العقوبة إلى الحبس، كما ورد في الآية 15، ثم جاء الجلد للبكر والرجم للمحصن، وهذا أيضا غير مقنع؛ لأن الآية 15 تتحدث عن النساء الزانيات لا عن الزناة بصيغة عامة، فلا يمكننا القول: إن الحبس كان عقوبة للزاني.
وهناك من يقول: إن الآية الأولى منسوخة بالثانية لا العكس، وهذا غير مقنع لنفس السبب المذكور سابقا.
والخامس: أن الآية الأولى تتحدث عن النساء الزانيات بشكل عام، دون تفريق بين المحصنة وغيرها، وأن المراد بالآية الثانية هو الرجل والمرأة المحصنان، وغيرهما، ولكن هذا أيضا أشكل علي؛ لأنه ولد في داخلي سؤالا هو: لماذا تكون عقوبة المرأة عقوبتين: الحبس، والإيذاء، بينما تكون عقوبة الرجل الإيذاء فقط؟
بالنسبة لي: فأنا أرى أن أفضل الآراء هو الرأي الأول والثاني، ولكن مع ذلك هناك إشكال.
وأنا أقول: إن هناك احتمالا بأن تكون الآية 16 ذهبت إلى بيان حكم الزاني والزانية في زمن معين يختلف عن زمن الآية 15، وأن الله سكت عن عقوبة الرجال في الآية 15 لحكمة ما، قد تكون عدم وجود حادثة عرضت على الرسول صلى الله عليه وسلم تستدعي معرفة حكم الزاني، فهل هذا التفسير ممكن؟
أفيدوني في الجواب، فأنا في حيرة من أمري، مع علمي أن الآيتين: 15 و16 منسوختان. وشكرا لكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمعنى هاتين الآيتين محل خلاف عريض بين أهل العلم قديما وحديثا، وما ذكرته السائلة من إشكالات، قد ذكره المفسرون على اختلاف اختياراتهم.

فكل من اختار قولا ذكر وجهه، ودليله، وأورد ما يشكل على اختيار غيره.

ونحن نورد جواب ذلك بحسب توجيه الخلاف، بغض النظر عن الترجيح:

فأما الإشكال على القول الأول بأن التعميم يقتضي التعبير بالجمع، لا المثنى، فقد أورده شيخ المفسرين ابن جرير الطبري، وتبعه عليه جماعة، وتعقبه النحاس في الناسخ والمنسوخ.

وجوابه: أن المراد بالتثنية الإشارة إلى نوعين مختلفين، وهما: الرجال، والنساء، على قول. والمحصن وغير المحصن من الذكور خاصة، على قول آخر.

قال ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير: أما قوله: {واللذان يأتيانها} فهو مقتض نوعين من الذكور، فإنه تثنية الذي، وهو اسم موصول للمذكر، وقد قوبل به اسم موصول النساء الذي في قوله: {واللاتي يأتين الفاحشة}، ولا شك أن المراد بـ{اللذان} صنفان من الرجال، وهما: صنف المحصنين، وصنف غير المحصنين منهم، وبذلك فسره ابن عباس في رواية مجاهد، وهو الوجه في تفسير الآية، وبه يتقوم معنى بين غير متداخل، ولا مكرر. ووجه الإشعار بصنفي الزناة من الرجال: التحرز من التماس العذر فيه لغير المحصنين.

ويجوز أن يكون أطلق على صنفين مختلفين، أي: الرجال والنساء، على طريقة التغليب الذي يكثر في مثله، وهو تفسير السدي، وقتادة.

فعلى الوجه الأول: تكون الآية قد جعلت للنساء عقوبة واحدة على الزنى، وهي عقوبة الحبس في البيوت، وللرجال عقوبة على الزنى، هي الأذى، سواء كانوا محصنين بزوجات أم غير محصنين، وهم الأعزبون.

وعلى الوجه الثاني: تكون قد جعلت للنساء عقوبتين: عقوبة خاصة بهن، وهي الحبس، وعقوبة لهن كعقوبة الرجال، وهي الأذى، فيكون الحبس لهن مع عقوبة الأذى.

وعلى كلا الوجهين يستفاد استواء المحصن وغير المحصن من الصنفين في كلتا العقوبتين.

فأما الرجال فبدلالة تثنية اسم الموصول المراد بها صنفان اثنان، وأما النساء فبدلالة عموم صيغة "نسائكم". اهـ.

وأما الإشكال على القول الثاني بكونه أغفل ذكر عقوبة الرجل المحصن، وفرق بين البكر والثيب دون دلالة من لفظ الآية، فقد أشار إليه بعض المفسرين، قال أبو السعود في إرشاد العقل السليم: {واللذان يأتيانها منكم} هما الزاني والزانية بطرق التغليب، قال السدي: أريد بهما البكران منهما. كما ينبئ عنه كون عقوبتها أخف من الحبس المخلد، وبذلك يندفع التكرار، خلا أنه يبقى حكم الزاني المحصن مبهما؛ لاختصاص العقوبة الأولى بالمحصنات، وعدم ظهور إلحاقه بأحد الحكمين دلالة لخفاء الشركة في المناط. اهـ.

وجواب ذلك هو: دخول المحصن من الرجال في حكم المحصنة من النساء من حيث العقوبة، قال ابن عطية في المحرر الوجيز: يدخل معهن من أحصن من الرجال بالمعنى. اهـ. وتبعه على ذلك القرطبي في الجامع، وأبو حيان في البحر المحيط، والشوكاني في فتح القدير، وغيرهم.

واختصاص هذه الآية بالبكرين، رجحه الطبري، فقال: أولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله: {واللذان يأتيانها منكم}، قول من قال: عني به البكران غير المحصنين إذا زنيا، وكان أحدهما رجلا والآخر امرأة. اهـ.

وأوضح وجه الفرق بين البكر والثيب في العقوبة، فقال: وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الحبس كان للثيبات عقوبة حتى يتوفين من قبل أن يجعل لهن سبيلا؛ لأنه أغلظ في العقوبة من الأذى الذي هو تعنيف، وتوبيخ، أو سب، وتعيير، كما كان السبيل التي جعلت لهن من الرجم، أغلظ من السبيل التي جعلت للأبكار من جلد المائة، ونفي السنة. اهـ.

وأما القول الثالث من كون الآية الأولى في السحاق، والثانية في اللواط، فهو خلاف قول جماهير أهل العلم من المفسرين، وغيرهم. وأشهر من قال بهذا القول هو: أبو مسلم الأصفهاني المعتزلي، وقد أورده الرازي، وبين وجهه، وأدلته، ومناقشته.

ومن جملة ذلك اعتراض أبي مسلم على تفسير الآية بحديث: خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا... حيث قال: وهذا لا يصح؛ لأن هذه الأشياء تكون عليهن لا لهن. قال تعالى: لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت [البقرة:286]. وأما نحن، فإنا نفسر ذلك بأن يسهل الله لها قضاء الشهوة بطريق النكاح. اهـ. وقال أيضا: إن هذا يقتضي نسخ القرآن بخبر الواحد، وإنه غير جائز. اهـ.

وكذلك فعل أبو حيان البحر المحيط، فأورد ما احتج به أبو مسلم، وما رد به عليه، وما أجاب هو به، ثم قال: والذي يقتضيه ظاهر اللفظ هو قول مجاهد، وغيره: أن {اللاتي} مختص بالنساء، وهو عام أحصنت أو لم تحصن. وأن {واللذان} مختص بالذكور، وهو عام في المحصن وغير المحصن، فعقوبة النساء الحبس، وعقوبة الرجال الأذى.

 ويكون هاتان الآيتان، وآية النور قد استوفت أصناف الزناة، ويؤيد هذا الظاهر قوله: {من نسائكم}، وقوله: {منكم}، لا يقال: إن السحاق واللواط لم يكونا معروفين في العرب، ولا في الجاهلية؛ لأن ذلك كان موجودا فيهم، لكنه كان قليلا. اهـ.

وقال في موضع آخر: {والذان يأتيانها منكم فآذوهما}، تقدم قول مجاهد، واختيار أبي مسلم أنها في اللواطة، ويؤيده ظاهر التثنية. وظاهر {منكم}؛ إذ ذلك في الحقيقة هو للذكور. اهـ.

ورجح الجلال السيوطي قول أبي مسلم في الآية الثانية في تفسير الجلالين، فقال: إرادة اللواط أظهر بدليل تثنية الضمير. والأول قال: أراد الزاني والزانية. ويرده تبيينهما بمن المتصلة بضمير الرجال، واشتراكهما في الأذى، والتوبة، والإعراض، وهو مخصوص بالرجال؛ لما تقدم في النساء من الحبس. اهـ.

ورجح قوله في الآيتين صاحب تفسير المنار، فقال: الحق أن ما ذهب إليه أبو مسلم هو الراجح في الآيتين. اهـ.

وقال أيضا: بحثوا في جمع {اللاتي يأتين الفاحشة}، وتثنية {اللذين يأتيانها}، وعدوه مشكلا، وما هو بمشكل، بل نكتته ظاهرة، وهي أن النساء لما كن لا يجدن من العار في السحاق ما يجده الرجل في إتيان مثله، كانت فاحشة السحاق مظنة الشيوع، والإظهار بين النساء، وفاحشة اللواط مظنة الإخفاء؛ حتى لا تكاد تتجاوز اللذين يأتيانها، ففي التعبير بصيغة المثنى إشارة إلى ذلك، وتقدير لكون فاحشة اللواط عارا فاضحا يتبرأ منه كل ذي فطرة سليمة.

ويجوز أن يكون اختلاف التعبير بالجمع، والتثنية من باب التنويع، فذلك معهود في الكلام البليغ، مع الأمن من الاشتباه. اهـ. ونصره أيضا عبد الكريم الخطيب في (التفسير القرآني للقرآن).

وقد فصل الألوسي في روح المعاني في بيان وجه قول أبي مسلم، ومناقشته، وإيراد أدلته، وأدلة الجمهور عليه، ثم قال: وبالجملة؛ المعول عليه ما ذهب إليه الجمهور، ويد الله تعالى مع الجماعة، ومذهب أبي مسلم وإن لم يكن من الفساد بمحل، إلا أنه لم يعول عليه، ولم تحط رحال القبول لديه، وهذا ما عندي في تحقيق المقام. اهـ.

وقول أبي مسلم أورده الكراماني في قسم العجيب من تفسيره: (غرائب التفسير وعجائب التأويل)، وقال: وهذا في الظاهر حسن، لكنه بناء على أصل فاسد؛ لأنه زعم أن لا ناسخ في القرآن، ولا منسوخ. اهـ. 

وأما مسألة اختلاف معنى الفاحشة في الآيتين على هذا القول، فجوابه أن كلا من الزنى، واللواط، والسحاق يسمى: فاحشة؛ لاجتماعها كلها في الفحش، أي: القبح، قال الرازي في مفاتيح الغيب: القوى المدبرة لبدن الإنسان ثلاثة: القوة الناطقة، والقوة الغضبية، والقوة الشهوانية:

ففساد القوة الناطقة هو: الكفر، والبدعة، وما يشبههما.

وفساد القوة الغضبية هو: القتل، والغضب، وما يشبههما.

وفساد القوة الشهوانية هو: الزنى، واللواط، والسحاق، وما أشبهها. اهـ.

وجاء في تفسير المنار: تخصيصه الفاحشة في هذه الآية باللواط، الذي هو استمتاع الرجل بالرجل، والفاحشة فيما قبلها بالسحاق، الذي هو استمتاع المرأة بالمرأة، هو المناسب لجعل تلك خاصة بالنساء، وهذه خاصة بالذكور، فهذا مرجع لفظي، يدعمه مرجع معنوي، وهو كون القرآن عليه ناطقا بعقوبة الفواحش الثلاث. اهـ.

وأما الإشكال الرابع، فقد سبقت الإشارة إلى دخول الرجال في عقوبة النساء المذكورة في الآية الأولى، عند من يقول بذلك.

وهنا ننبه على أن هذا إنما يشكل على من حمل الآيتين على صنف واحد؛ لأن المحبوس لا تتأتى أذيته، فكيف يذكر الحبس أولا ثم الأذى؟!

قال الماوردي في النكت والعيون: فإن قيل: كيف جاء ترتيب الأذى بعد الحبس؟ ففيه جوابان:

أحدهما: أن هذه الآية نزلت قبل الأولى، ثم أمر أن توضع في التلاوة بعدها، فكان الأذى أولا، ثم الحبس، ثم الجلد، أو الرجم، وهذا قول الحسن.

والثاني: أن الأذى في البكرين خاصة، والحبس في الثيبين، وهذا قول السدي. اهـ.

وقال المظهري في تفسيره: وعلى تقدير كون المراد بهذه الآية الزاني والزانية يشكل أنه ذكر في الآية الأولى الحبس، وذكر في هذه الآية الإيذاء، فكيف الجمع؟

فقيل: الآية الأولى في الثيب، وهذه في البكر.

وقيل: هذه الآية سابقة على الأولى نزولا، كان عقوبة الزناة الأذى، ثم الحبس، ثم الجلد.

والظاهر عندي أن المراد باللذان يأتيان الفاحشة: الرجال الذين عملوا عمل قوم لوط، وهو قول مجاهد؛ وحينئذ لا إشكال. اهـ.

وأما الإشكال الخامس في جمع عقوبتين على المرأة بالحبس، والإيذاء، بينما الرجل له عقوبة واحدة، وهي الإيذاء فقط.

وجواب ذلك عند من يقول به يؤخذ من قول أبي حيان في البحر المحيط: إذا حملت الآيتان على الزنى، تكون الأولى قد دلت على حبس الزواني، والثانية على إيذائها وإيذائه، فيكون الإيذاء مشتركا بينهما، والحبس مختص بالمرأة، فيجمع عليها الحبس، والإيذاء، هذا ظاهر اللفظ.

وقيل: جعلت عقوبة المرأة الحبس؛ لتنقطع مادة هذه المعصية، وعقوبة الرجل الإيذاء، ولم يجعل الحبس لاحتياجه إلى البروز، والاكتساب.

وأما على قول قتادة، والسدي من أن الأولى في الثيب، والثانية في البكر من الرجال والنساء، فقد اختلف متعلق العقوبتين، فليس الإيذاء مشتركا. وذهب الحسن إلى أن هذه الآية قبل الآية المتقدمة. اهـ.

وأما من يرى التسوية في العقوبة بين الرجل والمرأة الزانيين، فيجيب عن تخصيص النساء بالذكر في الآية الأولى بأن النساء أدخل في باب الشهوة من الرجال، قال أبو حيان في البحر المحيط: أفردهن بالذكر أولا، لأنهن على ما قيل: أدخل في باب الشهوة من الرجال، ثم ذكرهن ثانيا مع الرجال الزانين في قوله: {واللذان يأتيانها منكم}، فصار ذكر النساء الزواني مرتين: مرة بالإفراد، ومرة بالشمول. اهـ.

وقال الواحدي في التفسير البسيط: خص النساء بالذكر في هذه الآية، والحد في الزنى على النساء والرجال واحد؛ لأن المرأة أحرص على الزنى من الرجل، فخصها بالذكر، كما قدم اسمها في آية الزنى، وهو قوله: {الزانية والزاني} [النور:2]، وقدم اسم الرجل في آية السرقة في قوله: {والسارق والسارقة} [المائدة:38] من حيث كان الرجل أحرص على السرقة من المرأة. اهـ.

وممن أحسن سوق الخلاف واختصاره وبيان وجهه، ابن عطية في المحرر الوجيز، حيث قال: قال مجاهد، وغيره: الآية الأولى في النساء عامة لهن، محصنات وغير محصنات، والآية الثانية في الرجال، وبين بلفظ التثنية صنفي الرجال ممن أحصن وممن لم يحصن، فعقوبة النساء الحبس، وعقوبة الرجال الأذى، وهذا قول يقتضيه اللفظ، ويستوفي نص الكلام أصناف الزناة عليه، ويؤيده من جهة اللفظ قوله في الأولى {من نسائكم}، وقوله في الثانية {منكم}.

وقال السدي، وقتادة، وغيرهما: الآية الأولى في النساء المحصنات، يريد ويدخل معهن من أحصن من الرجال بالمعنى، والآية الثانية هي في الرجل والمرأة البكرين.

قال القاضي أبو محمد -المؤلف ابن عطية-: ومعنى هذا القول تام، إلا أن لفظ الآية يقلق عنه، وقد رجحه الطبري. اهـ.

وقال النحاس في الناسخ والمنسوخ: في الآيتين ثلاثة أقوال للعلماء الذين اتفقوا على نسخهما:

فمنهم من قال: كان حكم الزاني والزانية إذا زنيا وكانا ثيبين أو بكرين أن يحبس كل واحد منهما في بيت حتى يموت، ثم نسخ هذا بالآية الأخرى، وهي {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما}، فصار حكمهما أن يؤذيا بالسب، والتعيير، ثم نسخ ذلك، فصار حكم البكر من الرجال والنساء إذا زنى أن يجلد مائة جلدة، وينفى عاما، وحكم الثيب من الرجال والنساء أن يجلد مائة، ويرجم حتى يموت. وهذا القول مذهب عكرمة، وهو مروي عن الحسن، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، عن عبادة بن الصامت، فهذا قول.

والقول الثاني: أنه كان حكم الزاني والزانية الثيبين إذا زنيا أن يحبسا حتى يموتا، وحكم البكرين أن يؤذيا، وهذا قول قتادة، وإليه كان يذهب محمد بن جرير ...

والقول الثالث: أن يكون قوله تعالى: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم} عاما لكل من زنت من ثيب وبكر، وأن يكون {واللذان يأتيانها منكم} عاما لكل من زنى من الرجال ثيبا كان أو بكرا، وهذا قول مجاهد، وهو مروي عن ابن عباس.

وهو أصح الأقوال؛ لحجج بينة سنذكرها .. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات