حكم من يأمره مديره بإجراءات فيها بعض ظلم للعمال ويحاول دفعه بما يستطيع

0 6

السؤال

‏ أعزكم وأكرمكم الله، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.
أعمل بوظيفة ذات طابع قانوني وإداري، ويكلفني رئيسان لي في العمل في أحيان متفرقة بصياغة بعض القرارات، أو القيام ببعض الإجراءات التي أستشعر أنها تنطوي على نوع من الظلم للعمال والموظفين المخاطبين بها. مثل إجراء خصومات من أجور العمال نتيجة لبعض المخالفات. أو تكليفهم بأعمال إضافية دون أجر عادل وفقا لقانون العمل، أو إنهاء خدماتهم تعسفيا لأسباب غير مبررة، أو كإعداد المزايا الخاصة بهم بشكل غير منطبق على الأنظمة ذات الصلة (كمكافأة نهاية الخدمة على سبيل المثال).
علما أنني أنكر تلك الأمور دائما بقلبي، وأقوم في بعض الأحيان بردهم عن ذلك، فيقتنعون أحيانا، ولا يقتنعون أحيانا أخرى، وتكون الحالة الأخيرة هي الأغلب. مع العلم أنهم يكونون على علم بماهية الظلم في الغالب.
كما أنني لا أستطيع الامتناع عن تنفيذ تلك التكليفات، وأسعى دوما في سبيل إعطاء العمال حقوقهم، وأنجح في بعض الأحيان في ذلك.
كما أشير إلى أنني شخصيا واقع علي أحد أشكال ذلك الظلم. كما أود أن أشير إلى أن أغلب حالات ذلك الظلم الذي أستشعره بشكل عام تكون نتيجة لمخالفة قوانين وضعية مثل قانون العمل، أو اتفاق بين العامل والمنشأة كعقد العمل، أو كنتيجة للتعسف والمبالغة المقصودة في تفسير أخطاء العمال في العمل.
فماذا تنصحوني به؟ وهل أترك تلك الوظيفة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فلا شك أن الظلم من أعظم المحرمات، وأخطر الذنوب، وهو ظلمات يوم القيامة، كما في الحديث الصحيح.

وظلم العمال وأكل حقوقهم من أشنع الظلم وأشده عقوبة، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره.
والمعين للظالم على ظلمه شريك له في الإثم، قال الله تعالى: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون. [هود: 113].
والواجب على المسلم أن يدفع الظلم عن أخيه المسلم ما استطاع لذلك سبيلا، ولكن إذا كان الأمر -كما تقول- من أنك تنصح هذين المسؤولين بالكف عن ظلهما، وإعطاء الحق لأصحابه، وتبذل أنت ذلك بالطرق الممكنة، وتوفق أحيانا، ولا توفق أحيانا، فنرجو أن لا تكون من المعتدين حينئذ، بل بقاؤك لتخفيف الظلم عن هؤلاء العمال قد يكون خيرا من ترك الوظيفة لغيرك.

فأنت محسن ما دمت قد بذلت ما تستطيعه لدفع الظلم عنهم أو تخفيفه، واحذر كل الحذر من الركون للظلم واستمرائه.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في السياسة الشرعية: فإن مدار الشريعة على قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16]. المفسر لقوله: {اتقوا الله حق تقاته} [آل عمران: 102]؛ وعلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم أخرجاه في الصحيحين. وعلى أن الواجب تحصيل المصالح وتكميلها؛ وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما: هو المشروع.

والمعين على الإثم والعدوان من أعان الظالم على ظلمه، أما من أعان المظلوم على تخفيف الظلم عنه، أو على أداء المظلمة: فهو وكيل المظلوم؛ لا وكيل الظالم؛ بمنزلة الذي يقرضه، أو الذي يتوكل في حمل المال له إلى الظالم. مثال ذلك ولي اليتيم والوقف، إذا طلب ظالم منه مالا فاجتهد في دفع ذلك بمال أقل منه إليه، أو إلى غيره بعد الاجتهاد التام في الدفع؛ فهو محسن، وما على المحسنين من سبيل. وكذلك وكيل المالك من المنادين والكتاب وغيرهم، الذي يتوكل لهم في العقد والقبض، ودفع ما يطلب منهم؛ لا يتوكل للظالمين في الأخذ. وكذلك لو وضعت مظلمة على أهل قرية أو درب أو سوق أو مدينة، فتوسط رجل منهم محسن في الدفع عنهم بغاية الإمكان وقسطها بينهم على قدر طاقتهم، من غير محاباة لنفسه ولا لغيره، ولا ارتشاء، بل توكل لهم في الدفع عنهم، والإعطاء: كان محسنا؛ لكن الغالب أن من يدخل في ذلك يكون وكيل الظالمين محابيا مرتشيا مخفرا لمن يريد، وآخذا ممن يريد. وهذا من أكبر الظلمة، الذين يحشرون في توابيت من نار، هم وأعوانهم وأشباههم، ثم يقذفون في النار. انتهى.

ثم إنك ذكرت أن "أغلب حالات ذلك الظلم الذي تستشعره بشكل عام تكون نتيجة لمخالفة قوانين وضعية مثل قانون العمل، أو اتفاق بين العامل والمنشأة كعقد العمل، أو كنتيجة للتعسف والمبالغة المقصوده في تفسير أخطاء العمال في العمل"

وهذه الأشياء ليست على درجة واحدة، فقد يكون الحق فيها مع رب العمل؛ لأن قانون العمل يعتبر بمثابة عرف العمل، وهو معتبر ما لم ينص في العقد على خلافه،  كما أن العقد هو شريعة المتعاقدين، وما تضمنه من شروط مباحة تلزم كل طرف: العامل ورب العمل.

والشروط منها ما هو جعلي، أي يجعله المتعاقدان ويلتزمانه في العقد، والمسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما، أو حرم حلالا.

وعليه؛ فلا يمكننا الجزم بكون العامل مظلوما فيما ذكرت.
ويمكنك مشافهة أحد أهل العلم  المختصين بهذه المسألة، ولا سيما فيما يتعلق بما تستشكله من الظلم عليك، أو على الموظفين؛ ليستفصل منك عما ينبغي الاستفصال عنه، دون فرض احتمالات كثيرة، قد تشعب المسألة، ولا تفيد السائل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى