الاغتسال لصلاة الجمعة عند إغلاق المساجد

0 11

السؤال

بالنسبة لحديث: "من غسل واغتسل، وبكر وابتكر... له أجر سنة قيامها وصيامها" في ظل هذه الظروف التي أغلقت فيها المساجد بسبب كورونا، ففي الأوقات العادية نغتسل يوم الجمعة لأخذ ثواب هذا الحديث العظيم، لكن مع غلق المساجد، فلن نذهب للمسجد، فهل نغتسل أيضا لأجل هذا الحديث؟ مع العلم أن الأعمال بالنيات، بمعنى أن من داوم على شيء، وحجب عنه جبرا، فإن الله عز وجل يعطي له برحمته، وفضله، وسعة كرمه نفس الثواب، لكنني أسأل هنا هل أغتسل أم لا؟ فأنا لن أذهب للمسجد؛ لأنه مغلق، وهل أكتفي بالنية لأخذ الثواب، أم لا بد أن أغتسل أيضا حتى أحصل على الثواب، حتى ولو لم أذهب للمسجد للصلاة؟ جزاكم الله عز وجل خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فالغسل يوم الجمعة لم يشرع لمجرد كون اليوم جمعة في قول جمهور أهل العلم، وإنما شرع لمن يذهب إلى صلاة الجمعة في المسجد، ففي الحديث: إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة، فليغتسل. متفق عليه، واللفظ لمسلم، قال ابن رجب في شرح البخاري: لما كان الخطاب في هذا للرجال لمن جاء منهم الجمعة، دل على أنه لا غسل على من لا يأتي منهم الجمعة، كالمسافر، والمريض، والخائف على نفسه. اهــ.

وفي تحفة الأحوذي: واستدل من مفهوم الحديث: أن الغسل لا يشرع لمن لا يحضر الجمعة، وقد جاء التصريح بمقتضاه في رواية عثمان بن واقد، عن نافع، عند أبي عوانة، وابن خزيمة، وابن حبان في صحاحهم بلفظ: من أتى الجمعة من الرجال والنساء، فليغتسل، ومن لم يأتها، فليس عليه غسل. اهــ.

وذهب بعض الفقهاء إلى أن غسل الجمعة مشروع استحبابا لليوم، وليس لمجرد الذهاب إلى المسجد للصلاة، جاء في الموسوعة الفقهية: ذهب الجمهور إلى أنه للصلاة، لا لليوم، بخلاف غسل العيد، وعليه؛ فلا يسن لمن لم يحضر صلاة الجمعة.

 وذهب بعضهم إلى أن الغسل لليوم لا للصلاة، مثل غسل العيد. اهــ.

كما ذهب بعضهم أن من تخلف عنها لعذر، اغتسل لها استحبابا، وهذا وجه عند الشافعية، قال الماوردي الشافعي في الحاوي: فإذا ثبت أن غسل الجمعة مسنون، فهو سنة لمن لزمه حضور الجمعة، فأما من لم يلزمه حضور الجمعة، فليس الغسل سنة له، فأما من كان من أهلها، وهو ممنوع بعذر، فقد اختلف أصحابنا هل يكون الغسل مسنونا له ومأمورا به؟ على وجهين:

أحدهما: ليس بسنة له؛ لأنه لما كان معذورا بترك الجمعة، كان معذورا بترك الغسل لها.

والثاني: أن الغسل سنة. اهــ.

وما دمت تسأل "هل يلزمك؟" فلا يجب عليك -أخي- أن تغتسل، ما دمت لا تذهب إلى المسجد.

وإن أردت أن تغتسل على وجه السنية أخذا بقول من قال به، فلا حرج.

والمسلم إذا لم يذهب للمسجد يوم الجمعة، وحيل بينه وبين صلاة الجمعة لعذر من الأعذار، فلعل الله تعالى يكتب له أجر ما كان يفعله في ذلك اليوم من الاغتسال، والتبكير، والإنصات، فقد دل الشرع على أن المسلم الحريص على الطاعة إذا حيل بينه وبينها، فإن الله تعالى يكتب له أجرها، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة، فلم يعملها، كتبها الله عنده حسنة كاملة. متفق عليه.

وفي صحيح البخاري من حديث أبي بردة قال: سمعت أبا موسى مرارا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مرض العبد، أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قوله: إذا مرض العبد، أو سافر. في رواية هشيم: إذا كان العبد يعمل عملا صالحا، فشغله عن ذلك مرض. قوله: كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا. هو من اللف والنشر المقلوب، فالإقامة في مقابل السفر، والصحة في مقابل المرض. وهو في حق من كان يعمل طاعة، فمنع منها، وكانت نيته لولا المانع أن يدوم عليها. انتهى.

وفي مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية: من نوى الخير، وعمل منه مقدوره، وعجز عن إكماله، كان له أجر عامل، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن بالمدينة لرجالا، ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا، إلا كانوا معكم. قالوا: وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة