جفاء الأب وقطيعته لا يُسقِط حقه في البِرّ

0 6

السؤال

طلق أبي أمي منذ فترة، وترك المنزل، وهو يقيم في محل يعمل ويبيت فيه، وليس له مسكن نزوره فيه، والتقينا به في العيد في الشارع، وأزوره مع زوجي وأبنائي مرة بعد مرة زيارة خاطفة في محله؛ لأن لديه زبائن.
وهو لا يهاتفنا، ولا يزورنا في بيوت أزواجنا، ولا يلبي دعواتنا، ويزور كل أقاربه في كل مكان، وهو لطيف حنون كريم مع كل الناس، إلا معنا منذ صغرنا، فهل أنا آثمة أو مقصرة في حقه؟ وماذا يمكنني أن أفعل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فحق الوالدين على ولدهما عظيم، وبرهما من أوجب الواجبات، كما أن عقوقهما من أكبر الكبائر.

ومهما كان حال الوالدين، ومهما أساءا إلى الولد، فلا يسقط حقهما في البر، والمصاحبة بالمعروف.

فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين، اللذين يأمران ولدهما بالشرك، قال تعالى: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا {لقمان:15}.

فإذا كان والدك قاطعا لك، وجافيا في معاملته لك؛ فهو مسيء، وقاطع للرحم التي أمر الله بصلتها.

ومع ذلك؛ فإن عليك بره قدر طاقتك، وليس لبر الوالدين حد مقدر، أو وسيلة معينة في الشرع، ولكنه باب واسع، ومراتب متفاوتة من الإحسان إليهما، والحرص على نفعهما، وكف الأذى عنهما، جاء في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب: والمعنى الجامع: إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة. انتهى.

وإذا كنت تزورينه بالقدر الذي لا تعدين معه في العرف قاطعة له، ولا تبخلين عليه بما يحتاجه من مال، أو رعاية تقدرين عليها؛ فلست آثمة، ولا مقصرة في حقه.

 فداومي على زيارته، والسؤال عنه، والاتصال به بالهاتف، وقضاء ما تقدرين عليه من حاجاته، والسعي في مصالحه.

وإذا فعلت ذلك ابتغاء مرضاة الله؛ فأبشري ببركة هذا البر، فإنه من أعظم أسباب رضوان الله، ودخول الجنة، ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد. وعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت، فأضع هذا الباب، أو احفظه. رواه ابن ماجه، والترمذي.

قال المباركفوري -رحمه الله- في تحفة الأحوذي: قال القاضي: أي: خير الأبواب وأعلاها. والمعنى: أن أحسن ما يتوسل به إلى دخول الجنة، ويتوسل به إلى وصول درجتها العالية، مطاوعة الوالد، ومراعاة جانبه. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة