حكم طلب الاستغفار من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته

0 437

السؤال

هل الآية: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما. من سورة النساء تعتبر منسوخة بانتقال الرسول صلى الله عليه واله وسلم إلى الرفيق الأعلى؟ وما دليل ذلك في النفي أو الإثبات؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الآية الكريمة التي سألت عنها هي من ضمن آيات نزلت تنديدا بموقف المنافقين الذين أعرضوا عن التحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وآثروا عليه التحاكم إلى الطاغوت، وتبدأ هذه الآيات من قوله تعالى: ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا*وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا*فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا*أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا*وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما [النساء:60-64]، فأرشدهم الله تعالى وسائر العصاة والمذنبين في حقه صلى الله عليه وسلم إلى أنهم إذا وقعت منهم الإساءة إليه أن يأتوه فيستغفر الله لهم، فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم.

ولا يتصور أنها عامة في جميع الأمة، ولا أنها أيضا نسخت بعد موته.

فأما كونها ليست عامة فلأنها: "وردت في قوم معينين... وليس هناك لفظ عام حتى يقال العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص المورد، بل الألفاظ الدالة على الأمة الواقعة في هذه الآية كلها ضمائر، وقد ثبت في مقره أن الضمائر لا عموم بها..."، (وراجع كتاب صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان للشيخ محمد بشير السهسواني الهندي ص:23).

قال الرازي في تفسيره: يعني أنهم عندما ظلموا أنفسهم بالتحاكم إلى الطاغوت والفرار من التحاكم إلى الرسول، جاءوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأظهروا الندم على ما فعلوه وتابوا عنه واستغفروا منه، واستغفر لهم الرسول بأن يسأل الله أن يغفر لهم عند توبتهم لوجدوا الله توابا رحيما، وقال: القائل أن يقول أليس لو استغفروا الله وتابوا على وجه صحيح لكانت توبتهم مقبولة، فما الفائدة في ضم استغفار الرسول إلى استغفارهم؟ قلنا الجواب عنه من وجوه: الأول: أن ذلك التحاكم إلى الطاغوت كان مخالفة لحكم الله، وكان أيضا إساءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإدخالا للغم في قلبه، ومن كان ذنبه كذلك وجب عليه الاعتذار عن ذلك الذنب لغيره، فلهذا المعنى وجب عليهم أن يطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لهم. انتهى.

ولو علقت توبة المذنبين على المجيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته أو بعد موته، لحصل الحرج العظيم للأمة، ولقيل بلزوم سكنى المدينة، ولما سافر الصحابة إلى الأمصار، وهذا لا قائل به، ومن سوغ للأمة أو دعا إلى طلب الاستغفار من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته فقد دعاها إلى الزيغ والضلال والغلو، فإن دعاء غير الله شرك قبيح، كما سبق بيانه في الفتوى: 14616، والفتوى: 3835.

ومن الأخبار الباطلة في هذا الموضوع ما نسب إلى العتبي أنه قال: كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم... وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي... وحكى بيتين ثم انصرف الأعرابي، فغلبتني عيني فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال يا عتبي ألحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له....، والقصة في الكثير من كتب التفسير، وهي باطلة، قال الشيخ السهسواني: هذا خبر منكر موضوع وأثر مختلق مصنوع، لا يصلح الاعتماد عليه ولا يحسن المصير إليه. (ص:248).

وأما عن نسخ الآية، فغير متصور أيضا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ هو المشرع عن الله وحده، وقد كمل الدين قبل وفاته، قال تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا [المائدة:3].

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة