قطع الصلة بمَن يخشى مِن صلته ضرر حقيقي في الدِّين أو في الدنيا

0 10

السؤال

هجرت بعض الأشخاص الذين جمعتني بهم ظروف العمل في شركة معينة بعدما نلت منهم أذى كبيرا، لا زالت آثاره النفسية علي إلى اليوم، وأريد أن أسأل حضرتكم عن حكم ما كان مني من هجر لهم؟ ولكي تفهموا سبب ذلك إليكم ما حدث:
اشتغلت في إحدى المناصب التقنية في شركة معينة، وكان خلقي طيبا مع الجميع فيها، وفي هذه الشركة كان أحد الأشخاص يشتغل رئيسا على العمال، فنلت منه من الأذى ما ألحق بي أضرارا نفسية كبيرة، كشهادته علي بالزور أمام الملأ بقول لم أقله، وتكلمه معي بلهجة شديدة أحيانا، إلى أن ضقت منه ذرعا، وأصبحت أتواصل معه عبر وسيط لحاجة يقتضيها العمل، ولم أشأ أن أهجره؛ لأني كنت أعلم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حول الهجر؛ لذلك بعد مدة يسيرة رجعت علاقتنا المهنية كما كانت في بدايتها، فصفحت عما كان منه من قبل، لكني تفاجأت به يوما يشي بي لرئيسي بأمر قد توهمه، وساء فهمه، فشرحت لرئيسي ما حدث، وتفهم مني.
في أحد الأيام عندما وجهت لهذا الشخص أوامر عادية لسبب تقتضيه طبيعة عملي، لم يتقبل مني؛ رغم أنه لدي صلاحيات إعطائه الأوامر التي أتلقاها من رئيسي، فوشى بي بأني أضغط عليه، فشحنت نفسه اتجاهي، حتى أنه في ذات اليوم صرخ في وجهي أمام عدد كبير من العمال حين سألته عن أمر يخص العمل، فضاقت نفسي كثيرا، فأخبرت رئيسي في العمل بما جرى، فأمرني ألا أكلمه بعد ذلك اليوم إلا بوسيط، وأخبره بنفسه ألا يكلمني، فهجرته لدفع شره عني، وللوقاية من ضرر مستقبلي، حتى أن لم أكن ألقي السلام عليه، لكن لم أكن له في قلبي حقدا أو بغضاء أو ضغينة، وبعدها نقصت أذيته كثيرا، إلا من بعض الأذية القليلة.
حدث يوما طارئ في الشركة حين كنت في راحة أسبوعية، فاستفسرت من أحد العمال الذين يعملون تحت إشراف هذا الشخص عن هذا الطارئ، ففهم كلامي بسوء، فذهب هذا العامل إلى هذا الشخص الذي هجرته ليقول له: إنني أتهم عماله بإحداث هذا الطارئ، فوشى بي إلى رئيسي في العمل، فهجرت أيضا هذا العامل لكذبه علي بعد أن ثارت حفيظتي، وأمرته ألا يكلمني بعدها، وكذلك لم أعد أكلم أحد العمال لقطيعته لي دون سبب، واشتد هجري له لأذيته لي يوما بكلام جارح.
وبعد مدة غادرت هذا العمل بسبب ضغوطه التي لم أقدر عليها، والتي ساءت حالتي النفسية بسببها، وحصلت بعدها -بفضل من الله- على وظيفة تمكنني من العمل بكرامة ودون أذية، أفضل من الأولى، في مكان بعيد جدا عن مكان عملي الأول.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آل، وصحبه، أما بعد:

 فإنه ليس من الهجر المحرم قطع الصلة بمن يخشى من صلته ضرر حقيقي في الدين، أو في الدنيا، قال ابن عبد البر: وأما قوله: (ولا يحل لمسلم أن يهجر، أو يهاجر أخاه) فهو عندي مخصوص أيضا بحديث كعب بن مالك؛ إذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يهجروه، ويقطعوا الكلام عنه، والسلام عليه؛ لما أحدثه في تخلفه عن غزوة تبوك وهو قادر على الغزو.

وقد جعل بعض أهل العلم حديث كعب هذا أصلا في هجران أهل البدع، ومن أحدث في الدين ما لم يرض.

والذي عندي أن من خشي من مجالسته ومكالمته الضرر في الدين، أو في الدنيا، والزيادة في العداوة والبغضاء؛ فهجرانه والبعد عنه خير من قربه؛ لأنه يحفظ عليك زلاتك، ويماريك في صوابك، ولا تسلم من سوء عاقبة خلطته.

ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية. اهـ. من الاستذكار.

فلا حرج عليك، ولا إثم في متاركة، ومقاطعة من لا تتقي شره وضرره، إلا بالهجر والصرم. وراجع للفائدة الفتوى: 152947.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة