مرجع الضمير في قول الله تعالى: "ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى"

0 19

السؤال

(ودنا للجبار رب العزة، فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى) آية: 9 من سورة النجم. هنا كان قاب قوسين أو أدنى من من؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

ففي بيان مفسر الضمير في هذه الأفعال الواردة في قوله تعالى: ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى {النجم:8، 9} من الآية الكريمة أقوال، حكاها غير واحد من أهل التفسير، قال الثعلبي في الكشف والبيان عن تفسير القرآن: ثم دنا فتدلى. اختلف العلماء في معنى هذه الآية:

فقال بعضهم: معناها: ثم دنا جبرئيل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض، فتدلى فنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم بالوحي، وهوى عليه، فكان منه قاب قوسين أو أدنى، أي: بل أدنى، وبه قال ابن عباس، والحسن، وقتادة، والربيع.

... وقال آخرون: معناه: ثم دنا الرب سبحانه من محمد صلى الله عليه وسلم فتدلى، فقرب منه، حتى كان قاب قوسين أو أدنى.

وأصل التدلي: النزول إلى الشيء حتى يقرب منه، فوضع موضع القرب، قال لبيد:

فتدليت عليه قافلا ... وعلى الأرض غيابات الطفل

وهذا معنى قول أنس، ورواية أبي سلمة عن ابن عباس.

وأخبرني عقيل بن محمد أن أبا الفرج البغدادي، أخبرهم عن محمد بن جرير، قال: حدثنا الربيع، قال: حدثنا ابن وهب، عن سليمان بن بلال، عن شريك بن أبي نمر، قال: سمعت أنس بن مالك يحدثنا عن ليلة المسرى أنه عرج جبريل برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة، ثم علا به بما لا يعلمه إلا الله عز وجل؛ حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة، فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إليه ما شاء.  ودنو الله من العبد، ودنو العبد منه بالرتبة، والمكانة، والمنزلة، وإجابة الدعوة، وإعطاء المنية، لا بالمكان، والمسافة، والنقلة، كقوله سبحانه: فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان.

وقال بعضهم: معناه: ثم دنا جبريل من ربه عز وجل، فكان منه قاب قوسين أو أدنى، وهذا قول مجاهد، يدل عليه ما روي في الحديث: إنه أقرب الملائكة من جبرائيل الى الله سبحانه.

وقال الضحاك: ثم دنا محمد من ربه عز وجل، فتدلى، فأهوى للسجود، فكان منه قاب قوسين أو أدنى.

وقيل: ثم دنا محمد من ساق العرش فتدلى، أي: جاوز الحجب والسرادقات، لا نقلة مكان، وهو قائم بإذن الله كالمتعلق بالشيء لا يثبت قدمه على مكان، وهذا معنى قول الحسين بن الفضل. انتهى.

والراجح من هذه الأقوال - والعلم عند الله - هو أن الضمير في هذه الأفعال: (دنا فتدلى فكان) يعود على جبريل؛ وهذا القول هو الذي قدمه إماما المفسرين: الطبري، والقرطبي، وذكر ابن عطية أنه قول الجمهور.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات