الوعيد على الشحناء لا يشمل التارك لها

0 8

السؤال

منذ خمسة عشر عاما، كانت بيننا وبين جيراننا خلافات، لا أذكر معظمها، فقد كنا صغارا، لكني على يقين بظلمهم لنا، وما كانوا يكيدوه لنا في كل مرة. فجارنا رجل حقود، وسليط، لا أذكر مرة أنه راعى حق جيرتنا ولو أن يأتي لأبي ويعاتبه في أي مشكلة كانت بيننا، برغم القرابة والصداقة التي كانت بينهما من قبل. بل على العكس كان يقف لنا ويسبنا ويرهبنا، ويتشاجر معنا حتى كان بعضها يصل إلى عراك، ومحاضر في أقسام الشرطة.
على مر الأعوام الماضية كنت أحاول أن أراعي حق جيرته، وأن ألقي عليه سلام الله، أما هو فلا أذكر أنه فعلها هو أو أبناؤه حتى مع أبي.
الحال الآن أنه وحين انتهينا عن التعامل بلطف معه، وخوفه من ثأرنا لما فعله مع أخي قبيل زواجه، حيث اختلق مشكلة أدت لعراك نتج عنه إصابة أخي في رأسه وهو في أيام زواجه؛ فأصبح يهابنا ويتحاشى المشاكل معنا، مع العلم أننا لا نؤذيهم ولا ننوي السوء.
سؤالي لحضراتكم: هل يعد ما بيننا وبينه من الشحناء التي تمنع قبول الأعمال، خاصة أننا نتجنبهم خشية المشاكل، ويعلم الله أننا لا نحمل حقدا ولا غلا، ولو أننا لا ننسى ظلمهم لنا من قبل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فقد نهى الشرع عن التدابر والهجران فوق ثلاث؛ ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا. ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث.
لكن إذا كان عليك ضرر في دينك أو دنياك لا يزول إلا بهجر هذا الشخص؛ فيجوز هجره فوق ثلاثة أيام حينئذ.

قال ابن عبد البر -رحمه الله- في التمهيد: وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، إلا أن يكون يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه، أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه. فإن كان ذلك، فقد رخص له في مجانبته وبعده، ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى.
واعلم أن الهجر يزول عند الجمهور بمجرد السلام على الشخص، أو رد السلام عليه.

 قال ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري: قال أكثر العلماء: تزول الهجرة بمجرد السلام ورده. انتهى.
وإذا كنت تاركا للعداوة والمشاحنة من جانبك؛ فلا يشملك الوعيد المذكور في الحديث للمتشاحنين.

قال علي القاري -رحمه الله- في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: (حتى يصطلحا) أي: يتصالحا، ويزول عنهما الشحناء، فلا يفيد التصالح للسمعة والرياء. والظاهر أن مغفرة كل واحد متوقفة على صفائه، وزوال عداوته سواء صفا صاحبه أم لا. انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة