هل ينظر المصلّي إلى موضع السجود أم إلى الإمام؟

0 17

السؤال

أسأل عن وقت الاقتداء بالإمام، وأنقل لك الكلام: "فالمشروع للمأموم أن يتابع إمامه بعد انتقاله إلى الركن مباشرة؛ فالعبرة بفعل الإمام، لا بتكبيره، وهذا فيمن يرى الإمام، أما من لا يراه من المأمومين، فإنه يقتدي بقوله"، فهل علي أن أوجه عيوني إلى الإمام لكي أراه وهو راكع، فأركع؟ لأنه في هذا الزمان أستطيع رؤية الإمام؛ لأن المصلين متفرقون بسبب كورونا، فهل أوجه عيني إلى الإمام عند سجوده أو ركوعه، أم أوجهها إلى موضع السجود، وأعتمد على تكبيره بعد انتهائه من التكبير؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد

فما ذكرت في سؤالك أنه المشروع هو كذلك.

ثم اعلم أن العلماء اختلفوا في محل نظر المصلي: فقال الجمهور: ينظر إلى موضع سجوده، وقال المالكية: ينظر إلى قبلته، ونص بعض الفقهاء من المالكية على أنه ينظر إلى إمامه، لكن إذا لم يؤد ذلك إلى الالتفات المكروه، كما ستراه؛ وعلى هذا القول؛ فإن المأموم ينظر إلى الإمام، ولا حرج في ذلك، وقد بوب البخاري في صحيحه: باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة. واستدل على ذلك بحديث خباب -رضي الله عنه-: أنهم كانوا يعرفون قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر باضطراب لحيته. وتعقبه ابن رجب باحتمال أن يكون هذا خاصا به -صلى الله عليه وسلم-، قال: وهذا قد يقال: إنه يختص بالصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما يترتب على ذلك من معرفة أفعاله في صلاته، فيقتدي به، فأما غيره من الأئمة، فلا يحتاج إلى النظر إلى لحيته، فالأولى بالمصلى وراءه أن ينظر إلى محل سجوده. انتهى.

وقال القسطلاني عقب حديث خباب المشار إليه: ويستفاد منه ما ترجم له، وهو رفع البصر إلى الإمام، ويدل للمالكية حيث قالوا: ينظر إلى الإمام، وليس عليه أن ينظر إلى موضع سجوده. ومذهب الشافعية: يسن إدامة نظره إلى موضع سجوده؛ لأنه أقرب إلى الخشوع. انتهى.

وقال العيني: ومما يستفاد منه: ما ترجم عليه البخاري، وهو: رفع البصر إلى الإمام. وقد اختلف العلماء في ذلك، أعني: في رفع البصر إلى أي موضع في صلاته، فقال أصحابنا، والشافعي، وأبو ثور: إلى موضع سجوده، وروي ذلك عن إبراهيم، وابن سيرين، وفي (التوضيح): واستثنى بعض أصحابنا إذا كان مشاهدا للكعبة، فإنه ينظر إليها. وقال القاضي حسين: ينظر إلى موضع سجوده في حال قيامه، وإلى قدميه في ركوعه، وإلى أنفه في سجوده، وإلى حجره في تشهده؛ لأن امتداد النظر يلهى، فإذا قصر كان أولى. وقال مالك: ينظر أمامه، وليس عليه أن ينظر إلى موضع سجوده وهو قائم: قال: وأحاديث الباب تشهد له؛ لأنهم لو لم ينظروا إليه -صلى الله عليه وسلم-، ما رأوا تأخره حين عرضت عليه جهنم، ولا رأوا اضطراب لحيته، ولا استدلوا بذلك على قراءته، ولا نقلوا ذلك، ولا رأوا تناوله فيما تناوله في قبلته حين مثلت له الجنة، ومثل هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به)؛ لأن الائتمام لا يكون إلا بمراعاة حركاته في خفضه ورفعه. انتهى.

فالأمر -كما ترى- واسع، فمن نظر إلى موضع سجوده، فهو حسن، وهو أولى، وهو مذهب الجمهور، ويعرف انتقال إمامه بالتكبير؛ لأن الأصل أنه يكبر في أثناء الانتقال، فإذا فرغ من التكبير يكون قد وصل إلى الركن غالبا.

ومن عمل بقول بعض العلماء في النظر إلى الإمام، فلا تثريب عليه؛ شريطة ألا يلتفت؛ لأن الالتفات في الصلاة مكروه، قال الحافظ ابن حجر: قال الزين بن المنير: نظر المأموم إلى الإمام من مقاصد الائتمام، فإذا تمكن من مراقبته بغير التفات، كان ذلك من إصلاح صلاته. وقال ابن بطال: فيه حجة لمالك في أن نظر المصلي يكون إلى جهة القبلة، وقال الشافعي، والكوفيون: يستحب له أن ينظر إلى موضع سجوده؛ لأنه أقرب للخشوع، وورد في ذلك حديث أخرجه سعيد بن منصور من مرسل محمد بن سيرين، ورجاله ثقات، وأخرجه البيهقي موصولا، وقال: المرسل هو المحفوظ. وفيه أن ذلك سبب نزول قوله تعالى: (الذين هم في صلاتهم خاشعون)، ويمكن أن يفرق بين الإمام والمأموم، فيستحب للإمام النظر إلى موضع السجود، وكذا للمأموم؛ إلا حيث يحتاج إلى مراقبة إمامه، وأما المنفرد، فحكمه حكم الإمام. انتهى.

والحاصل أن السنة -إن شاء الله- هي النظر في موضع السجود، ولا يتعارض ذلك مع الاقتداء بالإمام، وكون أفعال المأموم تأتي عقب أفعاله؛ لما ذكرنا، ومن نظر إلى إمامه بالشرط المذكور، فلا حرج عليه، وهو قول بعض المالكية -كما علمت-.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة