التكليف ببرّ الوالدين وصلة الأرحام ليس فيه تكليف بما لا يطاق

0 8

السؤال

أنا أكثر من يكره أهله على وجه الأرض، فقد ماتت أمي بعد أن وزعت إرثها وحرمتني حقي؛ بسبب خلاف بيني وبين شقيقي الأكبر الذي تعدى على حقي في منزل شيدناه معا وطمع فيه، وعلى إثر ذلك دبت الخلافات بيننا، وجاء على إثرها ما فعلته أمي بي، فقد حكمت جورا دون أن تسمع مني.
ماتت أمي منذ 3 أعوام، ولا أترحم عليها أبدا، وأحملها في نفسي أوزار كل شيء، وتبعات كل ما لحق بي من قبلها، ومن قبل أخي الأكبر، فقد عشت وحيدا بزوجتي بعيدا عنهم؛ ليتسبب لي أخي بمكائد انتهت بفراقي لزوجتي، وعلى إثر ذلك لا أعلم شيئا عن طفلي منها، ومن قبل كل ذلك نشأنا في بيت، وكان والداي منفصلين، وعلاقتي بأبي في منتهى السوء، ولا أستطيع أن أغفر لهم.
أتقرب من الله، وأقرأ القرآن بشكل منتظم، ولكني إذا قابلت آية تتحدث عن صلة الأرحام أو العفو، تعبت تعبا شديدا، وأغلقت المصحف، فأنا لا أريد أن أغفر لأحد؛ حتى ولو كانوا أولي قربى، ولا أريد أن أصل رحم من قطعني وحاربني ودمر حياتي، وإذا خاصم فجر.
أنا أطبق شرع الله في حياتي دون أن أصل الرحم، أو أعفو، فقتل نفسي أهون عندي من أن أغفر لهم، فهل يحملنا الله ما لا نطيق، ويكلفنا ما ليس بوسعنا، حيث ألزمنا العفو ونحن لا نستطع؟ وهل علي من عتب أمام الله إن لم أغفر أبدا، ولم أصل هذه الصلة، حتى وإن دارت الأيام وطلبوا ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فنسأل الله أن يرحم أمك، ويغفر لها.

واعلم أنها إذا كانت ظلمتك، وأساءت إليه؛ فإن حقها عليك لا يسقط بذلك؛ فحق الأم على ولدها عظيم، وكذلك والدك له عليك حق عظيم، ولو كان ظالما لك مسيئا إليك؛ فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين الذين يأمران ولدهما بالشرك، قال تعالى: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا {لقمان:15}.

وعقد البخاري في كتابه: الأدب المفرد بابا أسماه: باب بر والديه وإن ظلما ـ وأورد تحته أثرا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ما من مسلم له والدان مسلمان، يصبح إليهما محتسبا، إلا فتح له الله بابين ـ يعني: من الجنة ـ وإن كان واحدا فواحد، وإن أغضب أحدهما، لم يرض الله عنه حتى يرضى عنه, قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه.

كما أن لإخوتك عليك حقا، فصلة الرحم واجبة، وقطعها حرام.

وعلى فرض أن بعض الأرحام كان ظالما أو مسيئا؛ فهذا لا يبيح قطعه بالكلية، ولكن تجب صلته بالقدر والكيف الذي لا يعود على الواصل بالضرر، وراجع الفتوى: 228394.

واعلم أن تكليف الله تعالى لنا ببر والدينا وصلة أرحامنا؛ ليس فيه تكليف بما لا يطاق، أو أمر بما فيه حرج؛ فالبر والصلة درجات متفاوتة، والحد الأدنى منها ميسور لمن استعان بالله تعالى، واستعاذ به من الشيطان ونزغاته، وتفكر فيما ينفعه في دينه ودنياه، وآثر رضا ربه على هوى نفسه.

فبادر بالتوبة إلى الله تعالى، واستعن بالله تعالى، ولا تعجز، واجتهد في الدعاء لأمك، والصدقة عنها، وصلة الرحم التي من جهتها -كخالاتك وأخوالك-.

واجتهد في بر أبيك بما تقدر عليه من أنواع الإحسان.

وصل إخوتك حسب طاقتك، ولا تلتفت لما يضعف نفسك، أو يحط من عزيمتك.

وتفكر في فضل العفو، والصفح، وما فيهما من الأجر العظيم، والفضل الكبير، قال تعالى: وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم {النور:22}.

وقد حكى الله سبحانه عن نبيه يوسف -عليه السلام- وقد آذاه إخوته وظلموه، وعندما آل أمره إلى النصر والعزة والتمكين، لم يقابل السيئة بمثلها، وإنما عفا عنهم، وكان منه ما حكاه القرآن الكريم عنه: قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين {يوسف:92}.

وللفائدة ننصحك بالتواصل مع قسم الاستشارات بموقعنا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة