إساءة الزوج الظن بالمرأة وأمّها ومقارنتها بطليقته ومنعها من العمل

0 5

السؤال

أنا متزوجة منذ سنتين في الغربة، وقبل الزواج كنت أدرس، ثم بدأت أعمل، وزوجي يعمل في منطقة أخرى بعيدة عني ثلاث ساعات، وقبل الخطبة قلت له بكل صراحة: إن عملي مهم جدا بالنسبة لي، وإنني تعبت جدا واجتهدت حتى وصلت إلى ما أنا عليه، وإني لا أستطيع أن أترك عملي؛ إلا أن أجد عملا مثله في مدينته، أو أحسن، وقبل بذلك، واتفقنا أننا سنحاول أن نجد عملا في نفس المدينة، ثم خطبني، وكانت هناك بعض المشاكل، مثل إساءة الظن بي، والخطأ في الكلام معي، وكان يعتذر بعدها، ووعدني أنه سيتغير، ويحل مشكلة الغضب عنده، علما أنه كان متزوجا من أجنبية.
بعد الزواج بيومين بدأت المقارنات بيني وبين طليقته، وقد ضايقني كثيرا، ولم أعبر له عن ذلك، لكنه منذ ذلك الوقت كان يسيء الظن في، ويقول: إني غير معجبة به، وإني أفكر في شخص آخر، مع العلم أنه لم يسبق لي الارتباط من قبل، ولا أعرف أحدا قبله، وكان يهينني دائما بالكلام، إلى أن تأكد أني أحبه، وانتهت هذه المشكلة، لكن سوء ظنه في لم ينته، فكل شيء أقوله، أو أعمله ينتقي أسوأ تفسير له، بالإضافة إلى أنه بدأ يعمل المشاكل بسبب البعد، وأنه يتعب من السواقة، وأن أهله يقولون له: أنت تتعب، ولا بد أن نجد حلا لعملي.
حاولت كثيرا أن أجد عملا هناك، وكنت متفائلة أني مع المحاولة والصبر سأجتمع معه في نفس المكان، وأجد عملا أحبه، لكن زوجي غير صبور، وكثير التذمر، ومتشائم من الحياة، فمثلا: أنا أحاول الحمل، وليس بي مرض، لكني لم أحمل إلى الآن، وهو خائف أن أحمل مرة واحدة فقط، وأقرر أني لا أريد أولادا آخرين، مع أني لم أقل ذلك أبدا، لكنه دائما متشائم، ويتهم أهلي أحيانا بأنهم يقولون ذلك لي، مع أنه غير صحيح.
أوصله سوء الظن بي إلى أني لا أريد أن أعيش معه في نفس البيت، وأني تزوجته ليكون اسمي متزوجة، ويتهم أمي أنها هي من تضع هذه الأفكار في عقلي؛ بسبب تفسيره الخاطئ لبعض الكلمات التي قالتها، وقد وضعنا كل شخص في مكان.
بعد آخر مشكلة أهانني كثيرا، وبدأ بالكلام المهين على أهلي، ورددت عليه بعض الإهانة، ورجعت إلى بيتي، وبعد فترة اشترط أن أترك عملي، وأذهب عنده، ولم يعتذر عن إهانتي، والكلام الذي قاله عن أهلي، بل سبهم، وأخذ أغراضه وذهب.
اقترحت عليه أن نذهب لمرشد أسرة أكثر من مرة، ورفض، وحبذ الطلاق على ذلك، وبدأ به، والمرشدة قالت لي: إنها تشك أنه عنده برنويا، وقد تعبت كثيرا، لكني أحبذ الإصلاح، ولا أعرف ماذا أفعل، وأريد أن أساعده ليتخلص من مشكلته، وفي نفس الوقت أهنت كثير، فأفيدوني.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

   فالأصل أنه لا يجوز للمرأة أن تخرج للعمل إلا بإذن زوجها، إلا لأمر معتبر شرعا.

فإن كنت اشترطت على زوجك قبل العقد ما ذكرت من عدم الانتقال من المكان الذي تعملين فيه الآن؛ حتى يتيسر لك عمل في مكان إقامة زوجك، ووافق على ذلك، فيجب عليه الوفاء لك بذلك، وراجعي الفتوى: 426862، والفتوى: 1357.

 ومن المطلوب شرعا من كل من الزوجين أن يحسن عشرة الآخر، ويعامله معاملة حسنة، قال تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف {البقرة:228}، ومن العشرة الحسنة إحسان الظن، وحمل الأمر على السلامة؛ حتى يتبين خلافها، وقد نهى الشرع عن إساءة الظن، قال الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم {الحجرات:12}. 

  وإذا كان هذا في حق عامة الناس، فإنه متأكد في حق الزوجين؛ لعظيم العلاقة بينهما، فقد سمى الشرع عقد الزواج بالميثاق الغليظ، كما في قوله -عز وجل-: وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا {النساء:21}، فإن كان زوجك يسيء بك الظن، وليس له بينة على ذلك؛ فإنه مسيء إساءة بالغة، ويأثم بذلك.

 ومن سوء العشرة أيضا تنقص الرجل زوجته، ومقارنته لها مع زوجته السابقة، وكذلك الحال بالنسبة لهجره لها إن لم يكن هنالك مسوغ شرعي لهجرها، ولمعرفة الضوابط الشرعية لهجر الزوجة، نرجو مطالعة الفتوى: 71459.

 وإن كان زوجك يسيء الظن بأمك، ويتهمها بما لم يصدر منها؛ فهذا أمر منكر؛ لما أسلفنا من النهي عن إساءة الظن.

والمصاهرة من العلاقات التي امتن بها الله عز وجل، وحث الشرع على الاهتمام بها، ومراعاتها، قال تعالى: وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا {الفرقان:54}، وروى مسلم عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما... الحديث.

ولا شك في أهمية الإصلاح، فقد ندب إليه الشرع، كما في قوله تعالى: وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير... {النساء:128}. 

فإن تيسر الإصلاح، ووضع أسس لاستقرار الحياة الزوجية، فالحمد لله، وإن لم يتيسر، فقد يكون الطلاق أفضل في حال استحالت العشرة، قال ابن قدامة في المغني: فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين، فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة، وضررا مجردا، بإلزام الزوج النفقة، والسكنى، وحبس المرأة، مع سوء العشرة، والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح؛ لتزول المفسدة الحاصلة منه. اهـ.

 والمرجو بعد الفراق أن يغني الله سبحانه كلا منهما من فضله، فهو القائل: وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما {النساء:130}، قال القرطبي في تفسيره: أي: وإن لم يصطلحا بل تفرقا، فليحسنا ظنهما بالله، فقد يقيض للرجل امرأة تقر بها عينه، وللمرأة من يوسع عليها. اهـ.

وقال ابن القيم في زاد المعاد: قد يكون الطلاق من أكبر النعم التي يفك بها المطلق الغل من عنقه، والقيد من رجله، فليس كل طلاق نقمة، بل من تمام نعمة الله على عباده أن مكنهم من المفارقة بالطلاق إذا أراد أحدهم استبدال زوج مكان زوج. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة