التلفيق بين المذاهب في المسألة الواحدة

0 17

السؤال

سؤالي عن موضوع التلفيق بين المذاهب.
سأذكر مثالا على هذا: إذا خرج مني دم وسال؛ فإن وضوئي ينتقض عند الحنفية، ولا ينتقض عند الشافعية. وإذا لمست امرأة بشهوة؛ فإن وضوئي ينتقض عند الشافعية، ولا ينتقض عند الحنفية، فإذا اجتمعت الحالتان معا، فهل يجوز لي أن أصلي بهذا الوضوء؟ علما أن الشيخ ابن عثيمين قال: إن سيلان الدم لا ينقض الوضوء، وإن لمس المرأة بشهوة لا ينقض الوضوء أيضا، أي أنه أخذ من المذهبين.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالصورة المذكورة في السؤال داخلة في التلفيق بين أقوال المذاهب الأربعة في مسألة واحدة، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: التلفيق بين المذاهب:

المراد بالتلفيق بين المذاهب: أخذ صحة الفعل من مذهبين معا، بعد الحكم ببطلانه على كل واحد منهما بمفرده، ومثاله: متوضئ لمس امرأة أجنبية بلا حائل، وخرج منه نجاسة -كدم- من غير السبيلين؛ فإن هذا الوضوء باطل باللمس عند الشافعية، وباطل بخروج الدم من غير السبيلين عند الحنفية، ولا ينتقض بخروج تلك النجاسة من غير السبيلين عند الشافعية، ولا ينتقض أيضا باللمس عند الحنفية. فإذا صلى بهذا الوضوء؛ فإن صحة صلاته ملفقة من المذهبين معا.

وقد جاء في الدر المختار: أن الحكم الملفق باطل بالإجماع، وأن الرجوع عن التقليد بعد العمل باطل اتفاقا، وهو المختار في المذهب؛ لأن التقليد مع كونه جائزا؛ فإن جوازه مشروط بعدم التلفيق، كما ذكر ابن عابدين في حاشيته. اهـ.

لكن صحة الوضوء في هذه الحال، وإن لم يستقم على قول أحد من الأئمة الأربعة، فقد قال به غيرهم من العلماء المجتهدين، فشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- وهو عالم مجتهد، يرى عدم نقض الوضوء باللمس مطلقا، فقد قال -رحمه الله تعالى- في مسألة النقض بلمس المرأة، بعد أن حكى الأقوال الثلاثة فيه، وهي: عدم النقض مطلقا، والنقض مطلقا، والنقض إن كان بشهوة، وعدم النقض بدونها: والأظهر هو القول الأول، وأن الوضوء لا ينتقض بمس النساء مطلقا. وما زال المسلمون يمسون نساءهم، ولم ينقل أحد قط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر المسلمين بالوضوء من ذلك؛ ولا نقل عن الصحابة على حياته أنه توضأ من ذلك؛ ولا نقل عنه قط أنه توضأ من ذلك؛ بل قد نقل عنه في السنن {أنه كان يقبل بعض نسائه، ولا يتوضأ}، وقد اختلف في صحة هذا الحديث؛ لكن لا خلاف أنه لم ينقل عنه أنه توضأ من المس. اهــ.

كما أنه يرى عدم نقض الوضوء بالخارج النجس من غير السبيلين، فقال -رحمه الله-: وقد تنازع العلماء في خروج النجاسة من غير السبيلين - كالجرح، والفصاد، والحجامة، والرعاف، والقيء-، فمذهب مالك، والشافعي: لا ينقض. ومذهب أبي حنيفة، وأحمد: ينقض. لكن أحمد يقول: إذا كان كثيرا. وتنازعوا في مس النساء، ومس الذكر: هل ينقض، فمذهب أبي حنيفة: لا ينقض. ومذهب الشافعي: ينقض. ومذهب مالك: الفرق بين المس لشهوة وغيرها..... والأظهر في جميع هذه الأنواع: أنها لا تنقض الوضوء، ولكن يستحب الوضوء منها. فمن صلى ولم يتوضأ منها، صحت صلاته، ومن توضأ منها، فهو أفضل. اهــ مختصرا.

وقد عد بعض العلماء شيخ الإسلام ابن تيمية مجتهدا مطلقا، قال المرداوي في الإنصاف، عند حديثه عن المجتهد المطلق: المجتهد المطلق، وهو الذي اجتمعت فيه شروط الاجتهاد التي ذكرها المصنف في آخر "كتاب القضاء"، على ما تقدم هناك، إذا استقل بإدراك الأحكام الشرعية، من الأدلة الشرعية العامة والخاصة، وأحكام الحوادث منها، ولا يتقيد بمذهب أحد ...

 قلت: قد ألحق طائفة من الأصحاب المتأخرين بأصحاب هذا القسم: الشيخ تقي الدين ابن تيمية -رحمة الله عليه-، وتصرفاته في فتاويه وتصانيفه تدل على ذلك. اهــ.

فإذا قلده أحد في هذا، في العمل في نفسه؛ فهذا جائز.

وقد ذكر الفقيه الشافعي ابن حجر الهيتمي في فتاواه الكبرى، أنه يجوز تقليد غير الأئمة الأربعة من المجتهدين فيما يعمله الإنسان لنفسه، قال -رحمه الله تعالى-: الذي تحرر أن تقليد غير الأئمة الأربعة -رضي الله تعالى عنهم- لا يجوز في الإفتاء، ولا في القضاء. وأما في عمل الإنسان لنفسه، فيجوز تقليده لغير الأربعة ممن يجوز تقليده، لا كالشيعة، وبعض الظاهرية. اهــ.

وراجع الفتويين:99341، 140544.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة