هل يجب على البنت زيارة والدها المقصّر في حقوقها والذي يسكن بعيدا عنها؟

0 5

السؤال

أبي وأمي منفصلان وأنا أعيش مع أمي، وأبي دائما كان خارج الصورة، لا يهتم بنا، ولا ينفق علينا، ونحن لا نسأل عنه، ولا نتواصل معه، وقد أكملت ال 18 من العمر، واستقر أبي في أحد الأقاليم، وطلب مني زيارته، وأنا لا أحب الخروج من المنزل، وغير مرتاحة أبدا لهذه الفكرة، فرفضت، فغضب، وقال: إنني عاقة، فهل يجب علي الذهاب إليه؟ أليس الإسلام دين يسر، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وأنا أمر بالعديد من المشاكل والضغوطات، ولا أستطيع الذهاب إليه، فهل علي ذنب؟ ولا أستطيع التعامل معه كأب لي، ولا أشعر بالألفة والأمان معه، فأرجو إفادتي بجميع الواجبات الملزمة بها نحوه. وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:  

فإن كانت هذه حال والدكم معكم من عدم قيامه بما يجب عليه تجاهكم من النفقة، والرعاية؛ فلا شك في أنه مفرط بذلك؛ فيجب نصحه، وبيان خطورة هذا الأمر، روى أحمد، وأبو داود عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت. وقد أورده أبو داود تحت: باب صلة الرحم.

وإذا كرهت أباك بسبب ما فعل تجاهكم، ولم يتعد الأمر الكره القلبي؛ فلا حرج عليك في ذلك؛ إذ لا مؤاخذة على المسلم في الأمور القلبية؛ لأنه لا اختيار له فيها، وقد قال تعالى: وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما {الأحزاب:5}.

ولكنه يبقى والدا لك، يلزمك تجاهه ما يلزم الولد تجاه أبيه من كل ما يدخل تحت مسمى البر والإحسان، فمن حق الوالد أن يبره ولده، وإن تعدى وظلم، كما سبق بيانه في الفتوى: 428662.  

ويلزمكم من البر والصلة ما هو ممكن من الزيارة، والاتصال، وتفقد الحال، ونحو ذلك مما يعتبر صلة عرفا.

فإن أمكنك تحقيق طلبه، والقيام بزيارته، من غير ضرر يلحقك في ذلك، وجبت عليك طاعته وزيارته.

وإن خشيت من الزيارة ضررا في دينك أو دنياك، فلا تلزمك طاعته في أمر الزيارة، ولكن تجب عليك صلته بما هو ممكن من وسائل الصلة الأخرى، كالاتصال، ونحو ذلك، وراجعي لمزيد الفائدة الفتويين التاليتين: 76303 429205.  

ثم إن سفرك لزيارته يشترط له وجود محرم، عند الجمهور، ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن المرأة لها أن تسافر مع رفقة آمنة، إن كان السفر سفر طاعة، ولسنا نرى حرجا في عملك بهذا القول، إن كان فيه تأليف لوالدك، وإحسان إليه.

واعلمي كذلك أن الإحسان يغير القلوب، ويتحول بها عن حالها، وأولى الناس أن تدفع سيئته بالحسنة هما الوالدان؛ لما لهما من كبير الحق، وقد قال تعالى: ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم {فصلت:34}.

ونوصيك في الختام بالاجتهاد في نسيان ما مضى، والسعي في أن يكون الأمر بينكم على أحسن حال، والدعاء بأن يعينك الله تعالى على بر أبيك، ويرضيك عنه، ويرضيه عنك؛ ففي ذلك الكثير من خير الدنيا والآخرة، روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة