الكراهية القلبية للوالدين الظالمين، ودعاؤهما على الولد وعلى ذريته

0 14

السؤال

أبر أمي، وأحضر لها علاجها، وطعامها، وأداوم على الذهاب إليها، لكنها تدعو علي، وعلى أبنائي، مع العلم أن والدي كانا قاسيين علي، وكنت أنا من يقوم بكل الأعمال لخدمتهم قبل أن أتزوج، وكان إخوتي مرفهين، وكانوا يحبونهم أكثر مني.
وعندما حان وقت زواجهم جهزوهم بأحسن جهاز، أما أنا فلم يحضروا لي شيئا، وقالوا: أنت موظفة، هاتي بمرتبك جهازك، فغضبت في نفسي، ولم أظهر غضبي لهم، وقلت لهم: حاضر.
وبعد زواجى لم يزوروني أبدا، وكانوا يذهبون لإخوتي بكل ما لذ وطاب، وعندما كنت أذهب إلى بيت أبي، كانوا يضربون أبنائي، ويضربونني، ويسيؤون إلي بأبشع الألفاظ.
ورغم بكائي، ومرارة ما تذوقت منهم، كنت أحسن إليهم، وأعاملهم معاملة حسنة؛ من أجل الله فقط، وكنت أتذكر قوله تعالى: "وأحسن كما أحسن الله إليك"، وكنت أقول لنفسي: إن الله تعالى أوصاني ألا أسيء إليهم.
وأنا من ينفق عليهما بعدما كبروا في السن، وأحضر لهم كل ما يحتاجون، وأذهب إليهم باستمرار، أما إخوتي، فلا يذهبون إليهم كثيرا، ومع ذلك؛ فهم يحبونهم أكثر مني، ولا يدعون عليهم، أما أنا فعلى أتفه الأسباب يدعون علي، وعلى أبنائي.
والسؤال: أنا أبرهم، وأذهب إليهم، لكني لا أحبهم، ولا أظهر لهم ذلك، بل أظهر لهم كل الحب، لكنني أكرههم؛ بسبب ما رأيته منهم، فهل سيعاقبني ربي على الكره الذي أخفيه بداخلي، ولا أظهره لهم؟ وهل سيستجيب ربي دعاءهم على أبنائي؛ رغم بري الشديد بهم؟ مع العلم أنني أحضر لهم من ألوان الطعام ما لا أحضره لأبنائي. أفيدوني -أفادكم الله-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كان الحال كما ذكرت؛ فقد أحسنت بصبرك على والديك، وحرصك على برهما، واجتناب الإساءة إليهما؛ فهذا هو الصواب الذي دل عليه الشرع.

ولا تقارني نفسك بإخوتك؛ فالمهم أن تقومي أنت بما يجب عليك.

ويزداد أجرك، ويعظم بحسب صبرك على ما تلقين من أبويك من أذى، وما يجزيان به حسن صنيعك لهما من سوء معاملة، وغلظة، وفظاظة -كما وصفت-، وراجعي الفتوى: 101410.

وأما كراهيتك لهما بسبب ظلمهما لك؛ فلا إثم عليك فيه -إن شاء الله- ما دمت قائمة بحقهما بارة بهما، وانظري الفتوى: 424999.

وإذا كان دعاؤهما عليك بغير حق؛ فلا يضرك هذا الدعاء، قال المظهري -رحمه الله- في المفاتيح في شرح المصابيح: وإنما يكون قبول هذا الدعاء إذا صدر عن الولد عقوق؛ أي: مخالفة أمر الوالد فيما يجب على الولد طاعته، فإذا خالفه الولد، يكون الوالد مظلوما؛ فيستجاب دعاؤه. انتهى. وقال المناوي -رحمه الله- في فيض القدير: ثم الظاهر أن ما ذكر في الولد مخصوص بما إذا كان الولد كافرا، أو عاقا، غاليا في العقوق، لا يرجى بره. انتهى.

وأما دعاؤهما على أولادك بغير حق؛ فلا يستجاب -إن شاء الله-، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يزال يستجاب للعبد، ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل. قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي؛ فيستحسر عند ذلك، ويدع الدعاء.

قال الصنعاني في التحبير لإيضاح معاني التيسير: والدعاء بقطيعة الرحم أن يدعو على رحمه بإصابته بما يكرهه، فإن هذا الدعاء نفسه قطيعة رحم، وفيه إساءة إليها، وهو مأمور بالإحسان إليها. انتهى.

فاصبري، واحتسبي الأجر عند الله تعالى، ودومي على ما أنت عليه من بر أبويك، والتلطف معهما، وخفض الجناح لهما، ولا سيما مع ما ذكرت من ضعفهما، وكبرهما، قال تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا {الإسراء:23-24}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة