من أعظم سبل برّ الوالدين السعي في هدايتهما

0 14

السؤال

لي أب صعب البر، وأنا أحاول بره قدر المستطاع، وهو بعيد جدا عن الدين، ولا يصلي، علما أنه مثقف، وليس جاهلا، لكنه صعب التعامل، فلا أستطيع أن أفتح معه موضوعا في الدين، أو أدعوه إلى الصلاة؛ لأن ذلك يدفعه إلى العصبية الزائدة، ومن الممكن أن يغضب علي، ويسب، فكيف أجعله يتوب؟ وكيف أحبب الإيمان إلى قلبه؟ وقد تحدثنا مع أحد الشيوخ، وجاء إليه، ولم يستقبله، وإذا سمع الإمام في خطبة الجمعة، فإنه يلعنه، ويقول عنه كلاما سيئا، فما الطريقة أو الأسلوب الذي أستطيع أن أهديه به؟ وهل تعني هذه الآية الكريمة: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) أن أتوقف عن المحاولة؟ أسأل الله لكم كل التوفيق.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فإن كان أبوك على الحال التي ذكرت من تركه للصلاة، وتهاونه فيها؛ فهو على خطر جسيم؛ فترك الصلاة جرم عظيم، وكبيرة من كبائر الذنوب.

ويكفي تارك الصلاة من الشر أن يختلف في شأنه العلماء، ما إن كان ذلك مخرجا له من الإسلام أم لا؛ فذهب بعضهم إلى أنه يكفر كفرا يخرجه من ملة الإسلام، وسبق بيان ذلك في الفتوى: 1145.

 والوالد مهما أساء؛ فإن ذلك لا يسقط عن ولده بره؛ فقد أمر الله تعالى ببر الوالد الكافر، قال سبحانه: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا {لقمان:15}، وروى البخاري، ومسلم عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: قدمت علي أمي -وهي مشركة- في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: إن أمي قدمت، وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: نعم، صلي أمك

ومن أعظم بركم بأبيكم؛ سعيكم في سبيل هدايته، وتوبته إلى الله تبارك وتعالى، وهذا من أفضل الإحسان.

وإذا جعلكم الله سبحانه سببا لهدايته؛ كان في ذلك خير لكم، وله، روى البخاري، ومسلم عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي -رضي الله عنه- حين بعثه إلى خيبر: لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم.

وتذكر مثل هذا المعنى مما يعينكم على الصبر عليه، والاجتهاد في سبيل التسبب في هدايته -بإذن الله تعالى-.

ونوصيكم بكثرة الدعاء له، والتضرع إلى الله تعالى، والانكسار بين يديه؛ فإنه قادر على أن يلين قلبه، ويوفقه للتوبة؛ فقلوب العباد بين يديه، روى أحمد عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك، وطاعتك... فقالت له عائشة -رضي الله عنها-: إنك تكثر أن تقول: يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك، وطاعتك، قال: وما يؤمنني، وإنما قلوب العباد بين أصبعي الرحمن، أنه إذا أراد أن يقلب قلب عبد قلبه.

والنصيحة مطلوبة ما رجي أن ينتفع بها، ولكن إن غلب على الظن عدم انتفاع المنصوح؛ فلا بأس بالكف عنها، مع تحين اللحظات المناسبة للإنكار، والنصح، إذا تيسرت -كاستغلال حالة الضعف، والمرض، ونحو ذلك مما يرجى أن تكون فيه الاستجابة-، قال السعدي في تفسيره: فذكر بشرع الله، وآياته، إن نفعت الذكرى، أي: ما دامت الذكرى مقبولة، والموعظة مسموعة -سواء حصل من الذكرى جميع المقصود، أو بعضه-، ومفهوم الآية: أنه إن لم تنفع الذكرى -بأن كان التذكير يزيد في الشر، أو ينقص من الخير-، لم تكن الذكرى مأمورا بها، بل منهيا عنها. اهـ. 

ويمكن أن يكون النصح بطريقة غير مباشرة -كتشغيل مواعظ من خلال جهاز التسجيل، ونحو ذلك-.

والآية المذكورة لا تدل على التوقف عن السعي في هدايته؛ فالهداية المنفية في الآية هي هداية التوفيق، والإلهام، وهي من شأن رب العالمين، ومما لا يقدر عليها المكلف، وغاية ما يطلب من المكلفين هو ما يسمى بهداية الدلالة، والإرشاد، وسبق في الفتوى: 101781 بيان كلام العلماء في معنى هذه الآية، وسبب نزولها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة