مَن اتّهم غيره بما ليس فيه وعيّره بما تاب منه ووصفه بالضلال والإضلال

0 12

السؤال

أحد الأشخاص اتهمني بما أنا بريئة منه، ثم بحيل نفسية جعلني أعترف ببعض الذنوب التي فعلتها، ولكنني تبت منها، وقد تبت من فعلتي الأخيرة، فهل عندما أذنب سيكشف الله الذنب الذي فعلته؟ وهناك شخص عيرني بالذنب، وأنا تائبة منه، ووصفني بضالة مضلة، وأنا أتبع منهج السلف.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فجزاك الله خيرا على حرصك على سلوك طريق الاستقامة، والحرص على التوبة من الذنوب.

ولا يلزم أن يفضح الله ستر من فعل ذنبا، ويفضحه بين الناس، وخاصة إن تاب من هذا الذنب، ورجع إلى ربه.

والأصل وجوب الستر على النفس، وأن لا يخبر المسلم بذنبه أحدا، ففي الصحيحين عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل أمتي معافى، إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح ـ وقد ستره الله ـ، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا، وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه.

وإذا تبت إلى الله عز وجل من هذا الاعتراف؛ فهذا هو المطلوب.

وإن كان هذا الشخص قد اتهمك بما ليس فيك؛ فقد أساء، وظلم، قال تعالى: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا {الأحزاب:58}، وروى مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول؛ فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه؛ فقد بهته. 

وإن عيرك بذنب قد تبت منه؛ فهذا ذنب آخر؛ فهو أمر لا يجوز، وقد تكون عاقبته وخيمة على فاعل ذلك التعيير، قال ابن القيم في مدارج السالكين: يريد أن تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثما من ذنبه، وأشد من معصيته؛ لما فيه من صولة الطاعة، وتزكية النفس، وشكرها، والمناداة عليها بالبراءة من الذنب، وأن أخاك باء به.

ولعل كسرته بذنبه، وما أحدث له من الذلة، والخضوع، والإزراء على نفسه، والتخلص من مرض الدعوى، والكبر، والعجب، ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس، خاشع الطرف، منكسر القلب، أنفع له، وخير من صولة طاعتك، وتكثرك بها، والاعتداد بها، والمنة على الله وخلقه بها، فما أقرب هذا العاصي من رحمة الله، وما أقرب هذا المدل من مقت الله؛ فذنب تذل به لديه أحب إليه من طاعة تدل بها عليه، وإنك أن تبيت نائما، وتصبح نادما، خير من أن تبيت قائما، وتصبح معجبا؛ فإن المعجب لا يصعد له عمل، وإنك أن تضحك وأنت معترف، خير من أن تبكي وأنت مدل، وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المدلين. اهـ.

 وإن وصفك بضلال، وإضلال؛ فهذا ذنب ثالث، والأصل حمل أمر المسلم على السلامة حتى يتبين خلافها؛ فيحرم إساءة الظن به، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم {الحجرات:12}.

 ونوصيك في الختام بالعمل بكل ما يعينك على الثبات على الدين، واجتناب أسباب الفتنة، وتجدين بعض التوجيهات بهذا الخصوص في فتاوانا: 1208، 10800، 12928.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات