معنى قوله تعالى: "ثم استوى على العرش"

0 11

السؤال

ما تفسير قوله سبحانه وتعالى في أكثر من موضع: "ثم استوى على العرش"، فأنا أثبت لله سبحانه وتعالى العلو على خلقه، فهل يدل قوله تعالى أنه سبحانه بعد خلق العرش، لم يتم الاستواء عليه إلا بعد مدة معينة؟ وهل يتعارض هذا مع علوه على خلقه؟ وهل علوه على خلقه صفة دائمة لا تتغير؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فعلو الله تعالى صفة ذاتية، لا تنفك عنه سبحانه؛ فهو عال علوا مطلقا أبدا قبل خلق العرش وبعده، قال أبو الفضل التميمي في العقيدة التي حكاها عن الإمام أحمد: كان يقول في معنى الاستواء هو: العلو، والارتفاع، ولم يزل الله تعالى عاليا رفيعا قبل أن يخلق عرشه؛ فهو فوق كل شيء، والعالي على كل شيء، وإنما خص الله العرش لمعنى فيه مخالف لسائر الأشياء؛ والعرش أفضل الأشياء، وأرفعها؛ فامتدح الله نفسه بأنه على العرش استوى، أي: عليه علا، ولا يجوز أن يقال: استوى بمماسة، ولا بملاقاة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، والله تعالى لم يلحقه تغير، ولا تبدل، ولا تلحقه الحدود قبل خلق العرش، ولا بعد خلق العرش. اهـ.

وهنا ننبه على أن هذه الآية الكريمة التي تكررت في عدة مواضع من القرآن بعد ذكر خلق السماوات والأرض، وهي قوله تعالى: {ثم استوى على العرش} ليس فيها ذكر خلق العرش، وإنما فيها الاستواء عليه، وفرق بين الخلق والاستواء؛ فخلق العرش سابق على خلق السماوات والأرض إجماعا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية: لا خلاف بين المسلمين، وأهل الكتاب أن العرش خلق قبل السماوات والأرض .. وأما قوله -يعني الرازي-: "لكن من المعلوم أن تخليق السماوات مقدم على تخليق العرش"، فيقال: هذا لم يعلمه أحد لا من الأولين، ولا من الآخرين، ولا قاله أحد يعرف بالعلم، وأما احتجاجه على تقدم خلق السماوات بقوله: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش} وكلمة ثم للتراخي؛ فهنا إنما ذكر أنه استوى على العرش بعد خلق السماوات والأرض، فأين قوله {ثم استوى على العرش} من قوله: ثم خلق العرش! فهذا لا يخفى على أحد .. اهـ.

وقال الشوكاني في فتح القدير: إن قيل: يلزم أن يكون خلق العرش بعد خلق السموات والأرض، كما تفيده {ثم}، فيقال: إن ‌كلمة {‌ثم} لم تدخل على خلق العرش، بل على رفعه على السماوات والأرض. اهـ. 

وأمر آخر نود التنبيه عليه، وهو: أن الكلام عن الله تعالى وصفاته يجب أن نقف فيه مع النصوص، دون تكلف، ولا تشقيق، قال تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم {الإسراء:36}، ومما نراه داخلا في ذلك هذا السؤال: (هل يدل قوله تعالى أنه سبحانه بعد خلق العرش لم يستو عليه إلا بعد مدة معينة).

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة