الكذب على الأصدقاء لتجنّب الخروج معهم حفاظًا على الوقت

0 6

السؤال

عندي امتحان خاص خارج إطار الجامعة، ولا أحد من زملائي يعرف عنه، ولا أريد أن أعرفهم أيضا، وفي ذات الوقت عندي دوام مع أصدقائي، وبعد الدوام لا بد من الخروج للغداء، وتضييع الوقت، فهل يجوز الكذب في موطن كهذا؟ كأن أختلق أعذارا والتزامات غير موجودة في الحقيقة؛ لأجل أن أرجع مبكرا، وأتملص من الخروج المضيع للوقت؛ لأن عندي هدفا آخر خاصا بي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فإن الكذب محرم؛ لحديث الصحيحين: إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقا. وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا.

ولا يرخص في الكذب إلا لحاجة، ويجب أن يكون ذلك في أضيق الحدود، بحيث لا توجد وسيلة أخرى مشروعة تحقق الغرض.

ومن الوسائل المشروعة التي تحقق الغرض دون وقوع في الكذب: ما يسمى بالمعاريض، أو التورية، حيث تستعمل كلمة تحتمل معنيين، يحتاج الإنسان أن يقولها، فيقولها قاصدا بها معنى صحيحا، بينما يفهم المستمع معنى آخر، قال عمر -رضي الله عنه-: أما في المعاريض ما يكفي المسلم الكذب. رواه البخاري في الأدب المفرد.

قال النووي -رحمه الله- في الأذكار: قد تظاهرت نصوص الكتاب والسنة على تحريم الكذب في الجملة، وهو من قبائح الذنوب، وفواحش العيوب.

وإجماع الأمة منعقد على تحريمه، مع النصوص المتظاهرة؛ فلا ضرورة إلى نقل أفرادها، وإنما المهم بيان ما يستثنى منه، والتنبيه على دقائقه ...

وقد ضبط العلماء ما يباح منه، وأحسن ما رأيته في ضبطه ما ذكره الإمام أبو حامد الغزالي، فقال: الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعا؛ فالكذب فيه حرام؛ لعدم الحاجة إليه، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب، ولم يمكن بالصدق، فالكذب فيه مباح، إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا، وواجب إن كان المقصود واجبا، فإذا اختفى مسلم من ظالم وسأل عنه؛ وجب الكذب بإخفائه، وكذا لو كان عنده أو عند غيره وديعة وسأل عنها ظالم يريد أخذها؛ وجب عليه الكذب بإخفائها، حتى لو أخبره بوديعة عنده، فأخذها الظالم قهرا؛ وجب ضمانها على المودع المخبر، ولو استحلفه عليها؛ لزمه أن يحلف، ويوري في يمينه، فإن حلف ولم يور؛ حنث على الأصح، وقيل: لا يحنث.

وكذلك لو كان مقصود حرب، أو إصلاح ذات البين، أو استمالة قلب المجني عليه في العفو عن الجناية لا يحصل إلا بكذب؛ فالكذب ليس بحرام، وهذا إذا لم يحصل الغرض إلا بالكذب، والاحتياط في هذا كله أن يوري.

ومعنى التورية: أن يقصد بعبارته مقصودا صحيحا ليس هو كاذبا بالنسبة إليه، وإن كان كاذبا في ظاهر اللفظ.

ولو لم يقصد هذا، بل أطلق عبارة الكذب؛ فليس بحرام في هذا الموضع. اهـ.

فعلم مما سبق أن الأسلم هو استعمال المعاريض للمحافظة على وقتك، وعدم الخروج معهم، فمثلا: لك أن تخبري أمك أنك ستتناولين معها الغداء في البيت، ثم إذا انتهيت من دراستك، اعتذرت من صديقاتك بأن لك موعدا مسبقا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة