تفسير الآية: وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب.

0 16

السؤال

لم أفهم تفسير آيات الحجاب: فاسألوهن من وراء حجاب. هل يعني أنه عند الحديث مع النساء عامة يجب أن يكون هناك حاجز أو حائط بينهما؟ أم أن القصد من الحجاب هو الملابس الساترة وغيرها؟ وهل هذا خاص بأمهات المؤمنين؟ أم للمسلمات كافة؟
أرجو التفصيل، بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: 

فالحجاب هو الستر كما ذكر المفسرون، والآية ولا شك نازلة في أمهات المؤمنين بخصوصهن، لكن اختلف في موضعين هما المتعلقان بالسؤال، وهما ماهية الحجاب المفروض على أمهات المؤمنين، والثاني هل ذلك خاص بهن؟ أم شامل لنساء الأمة؟

فأما الأول: فذهب الأكثر إلى أن الحجاب المفروض عليهن هو ستر الأبدان أن يراها أحد، وذهب عياض إلى أن الواجب عليهن ستر شخوصهن، بحيث لا يكلمن إلا من وراء ستر، أو جدار، ولا ترى شخوصهن الكريمة -رضي الله عنهن-.

قال ابن حجر في الفتح: قال عياض: فرض الحجاب مما اختصصن به، فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا غيرها، ولا إظهار شخوصهن، وإن كن مستترات، إلا ما دعت إليه ضرورة من براز، ثم استدل بما في الموطأ: أن حفصة لما توفي عمر سترها النساء عن أن يرى شخصها ؛ وأن زينب بنت جحش جعلت لها القبة فوق نعشها ليستر شخصها ـ انتهى، وليس فيما ذكره دليل على ما ادعاه من فرض ذلك عليهن، وقد كن بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- يحججن ويطفن، وكان الصحابة ومن بعدهم يسمعون منهن الحديث، وهن مستترات الأبدان، لا الأشخاص، وقد تقدم في الحج قول ابن جريج لعطاء لما ذكر له طواف عائشة: أقبل الحجاب، أو بعده؟ قال: قد أدركت ذلك بعد الحجاب. انتهى.

ثم على قول الأكثر وهو أن الواجب عليهن ستر جميع أبدانهن، فلا يرى شيء منهن، فهل تشركهن نساء الأمة في ذلك؟ أما المشروعية: فلا شك فيها، وأن التأسي بهن مشروع لجميع نساء المسلمين.

قال ابن عاشور: وبهذه الآية مع الآية التي تقدمتها من قوله: يا نساء النبيء لستن كأحد من النساء {الأحزاب: 32} تحقق معنى الحجاب لأمهات المؤمنين المركب من ملازمتهن بيوتهن، وعدم ظهور شيء من ذواتهن، حتى الوجه والكفين، وهو حجاب خاص بهن، لا يجب على غيرهن، وكان المسلمون يقتدون بأمهات المؤمنين ورعا، وهم متفاوتون في ذلك على حسب العادات، ولما أنشد النميري عند الحجاج قوله: يخمرن أطراف البنان من التقى... ويخرجن جنح الليل معتجرات، قال الحجاج: وهكذا المرأة الحرة المسلمة. انتهى.

والمفتى به عندنا -وهو قول جماعات من أهل العلم- أنه واجب على المرأة ستر جميع بدنها، وأن ذلك الأمر وإن كان نازلا في أمهات المؤمنين، فليس هو خاصا بهن، بل غيرهن من نساء الأمة مثلهن في ذلك، كما حرره العلامة الشنقيطي في أضواء البيان في كلامه على هذه الآية، وبين -رحمه الله- أن العلة التي أمر لأجلها أمهات المؤمنين بالحجاب وهي كونه أطهر لقلوبهم وقلوبهن تعم جميع الناس ولا تختص بهن.

قال عليه الرحمة: فإن تعليله تعالى لهذا الحكم الذي هو إيجاب الحجاب بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة، في قوله تعالى: ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم، إذ لم يقل أحد من جميع المسلمين إن غير أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن، وقلوب الرجال من الريبة منهن، وقد تقرر في الأصول أن العلة قد تعمم معلولها، وإليه أشار في مراقي السعود بقوله: وقد تخصص وقد تعمم ... لأصلها لكنها لا تخرم ... وبما ذكرنا تعلم أن في هذه الآية الكريمة الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب حكم عام في جميع النساء، لا خاص بأزواجه -صلى الله عليه وسلم- وإن كان أصل اللفظ خاصا بهن، لأن عموم علته دليل على عموم الحكم فيه. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات