أكمل أحوال العبد اعتدال الخوف والرجاء مع غلبة محبة الله

0 7

السؤال

منذ فترة كان خوفي من الله أكثر من حبي له، ولكن بنسبة بسيطة. أما الآن فقد أصبح حبي لله أشد بكثير من خوفي، أصبحت أصلي لأني أريد رؤية الله حبا له أكثر من خوفي. بالطبع يوجد خوف من الله، ولكن نسبة حبي له أكبر بكثير.
هل في هذا ذنب، أو نقص في الإيمان؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن العبادة لا تكون بالحب وحده، بل يجب على المسلم أن يجمع في عبادته لله تعالى بين ثلاثة أشياء وهي: الحب والخوف والرجاء.

فيعبد الله تعالى حبا له، وتنفيذا لأمره، ورجاء لثوابه، وخوفا من عقابه.

وقد امتدح الشرع من عبد الله تعالى بالعبادات الثلاث في نصوص كثيرة.

فأما المحبة، فيقول الله تعالى: والذين آمنوا أشد حبا لله {البقرة: 165}.

وقال سبحانه: يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه  {المائدة: 54}.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أنس المتفق عليه: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما...

وأما العبادة بالرغبة والرهبة: فيقول الله تعالى: إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين {الأنبياء: 90}.

ويقول الله تعالى: أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه {الإسراء:57}.

وقال تعالى: يدعون ربهم خوفا وطمعا {السجدة: 16}. ويقول الله تعالى: أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه {الزمر: 9}.

قال الشوكاني: أي: يحذر عذاب الآخرة. قاله سعيد بن جبير ومقاتل.

ويرجو رحمة ربه فيجمع بين الرجاء والخوف، وما اجتمعا في قلب رجل إلا فاز. اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: و" العبادة " تتضمن كمال الحب، وكمال التعظيم، وكمال الرجاء والخشية والإجلال والإكرام. ... اهـ.

وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: لا صلاح للقلوب حتى يستقر فيها معرفة الله وعظمته ومحبته، وخشيته ومهابته، ورجاؤه والتوكل عليه، وتمتلئ من ذلك، وهذا هو حقيقة التوحيد، وهو معنى قول: لا إله إلا الله، فلا صلاح للقلوب حتى يكون إلهها الذي تألهه وتعرفه وتحبه وتخشاه هو الله وحده لا شريك له. اهـ.

وقال ابن أبي العز في شرح الطحاوية: يجب أن يكون العبد خائفا راجيا، فإن الخوف المحمود الصادق: ما حال بين صاحبه وبين محارم الله، فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط.

والرجاء المحمود: رجاء رجل عمل بطاعة الله، على نور من الله، فهو راج لثوابه، أو رجل أذنب ذنبا ثم تاب منه إلى الله، فهو راج لمغفرته. قال الله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم}.

أما إذا كان الرجل متماديا في التفريط والخطايا، يرجو رحمة الله بلا عمل، فهذا هو الغرور والتمني والرجاء الكاذب.

قال: أبو علي الروذباري رحمه الله: الخوف والرجاء كجناحي الطائر، إذا استويا استوى الطير وتم طيرانه، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص، وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت...

 فالرجاء يستلزم الخوف، ولولا ذلك لكان أمنا، والخوف يستلزم الرجاء، ولولا ذلك لكان قنوطا ويأسا. وكل أحد إذا خفته هربت منه، إلا الله تعالى، فإنك إذا خفته هربت إليه، فالخائف هارب من ربه إلى ربه...

وقال بعضهم: من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري.

وروي: ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد ... اهـ.

وقال ابن قدامة في كتاب مختصر منهاج القاصدين: فضيلة كل شيء بقدر إعانته على طلب السعادة، وهي لقاء الله تعالى، والقرب منه، فكل ما أعان على ذلك فهو فضيلة...

واعلم أن قول القائل: أيما أفضل الخوف أو الرجاء؟ كقوله: أيما أفضل الخبز أو الماء؟

وجوابه: أن يقال الخبز للجائع أفضل، والماء للعطشان أفضل، فإن اجتمعا نظر إلى الأغلب، فإن استويا، فهما متساويان، والخوف والرجاء دواءان يداوى بهما القلوب، ففضلهما بحسب الداء الموجود، فإن كان الغالب على القلب الأمن من مكر الله، فالخوف أفضل، وكذلك إن كان الغالب على العبد المعصية، وإن كان الغالب عليه اليأس والقنوط، فالرجاء أفضل.... اهـ.

وقال ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين: القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر، فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر، ولكن السلف استحبوا أن يقوى في الصحة جناح الخوف على جناح الرجاء، وعند الخروج من الدنيا يقوى جناح الرجاء على جناح الخوف، هذه طريقة أبي سليمان، وغيره، قال: ينبغي للقلب أن يكون الغالب عليه الخوف، فإن غلب عليه الرجاء فسد. وقال غيره: أكمل الأحوال: اعتدال الرجاء والخوف، وغلبة الحب، فالمحبة هي المركب. والرجاء حاد، والخوف سائق، والله الموصل بمنه وكرمه. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات