السؤال
ابتليت بابن عاق، عمره فوق الخامسة والعشرين سنة، أرهقني بابتزازاته وطلباته المالية وغير المالية التي لا تطاق، مع أنه لا يصلي، لكنه ليس متعاطيا للمخدرات أو نحوها. إذا لم أحقق له طلباته، يعتدي علي وعلى أمه وأختيه بالضرب، ويهددنا بالتصفية، وقد حاول ذلك عدة مرات وهو مسلح بسلاح ناري.
حاولت أن أدرسه في اليمن، ففشل، فسافر للدراسة -حسب طلبه- إلى تركيا، فعاد بلا جدوى، ثم إلى السعودية، وأخيرا إلى مصر.
فكان علي أن أبعده اتقاء لشره، فقد حاول أخواله إصلاحه فلم يسلموا من شره وأذاه. إذا قلت له: لا أستطيع تلبية طلباتك، يرد علي قائلا: "من قال لك أن تخلفني وأنت غير قادر؟ ادفع أو أصفيك!"
المهم أنني حاولت إصلاحه، بل تحاشيته كثيرا دون جدوى. إذا اشتكيته إلى الدولة، فسيسجنونه، ولكنني أعلم علم اليقين أنهم سيطلقون سراحه، ولو لساعة واحدة، وسيقوم بتصفيتنا.
لقد بت لا أرجو هدايته، بل أخشى على حياتي وحياة أسرتي منه خوفا شديدا، حتى إنني فكرت في أن أقتله، إما بتسميمه أو بإحداث إعاقة له، حماية لنفسي ولأسرتي.
فهل علي إثم في ذلك؟ إذ لم يبق أمامي حل آخر؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يهدي ابنك، ويصلحه، ويقيه شر نفسه، وأن يلهمك الرشد والحكمة في التعامل معه.
ولا شك في عدم جواز إقدامك على الجناية على ولدك بالقتل أو ما دونه، فلا يخفى على مسلم أن القتل بغير حق من أكبر الكبائر، ومن أشنع الجرائم، قال الله تعالى: ... من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا [المائدة:32].
وفي صحيح البخاري، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال المؤمن في فسحة من دينه، ما لم يصب دما حراما.
قال المناوي في فيض القدير: قال ابن العربي: ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق، والوعيد في ذلك، فكيف بقتل الآدمي؟ فكيف بالمسلم؟ انتهى.
وعلى فرض أن مسلما فعل ما يوجب قتله أو تعزيره بما دون القتل؛ أو احتيج إلى شيء من ذلك ردعا له، وكفا لشره؛ فمرجع ذلك إلى الحاكم، وليس لأفراد الناس.
قال ابن مفلح -رحمه الله- في الفروع: تحرم إقامة حد إلا لإمام أو نائبه. انتهى.
وجاء في شرح مختصر خليل للخرشي: والمعنى أن الإمام يعزر لمعصية الله تعالى -كالأكل في رمضان لغير عذر، أو لحق آدمي كشتم آخر، أو ضربه، أو أذاه بوجه-، والتعازير يرجع فيها إلى اجتهاد الإمام. انتهى.
ونصيحتنا لك؛ أن تستعين بالله تعالى، وتصبر، ولا تيأس من استصلاح ولدك، واجتهد في حثه على المحافظة على الصلاة، فهي مفتاح كل خير، ومغلاق كل شر، قال تعالى: وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون [العنكبوت: 45]
قال السعدي -رحمه الله- في تفسيره: ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أن العبد المقيم لها، المتمم لأركانها، وشروطها، وخشوعها، يستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتقل، أو تعدم رغبته في الشر. انتهى. وراجع الفتوى: 3830.
وابحث عن بعض الصالحين المشتغلين بالدعوة إلى الله ليكلموه، ويأخذوا بيده إلى طريق التوبة والاستقامة، وأكثر الدعاء له بالهداية والاستقامة؛ فدعوة الوالد مجابة بإذن الله تعالى، ففي سنن أبي داود عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم.
والله أعلم.