أحكام من أخذ من مال الناس على صفة لا تحل له واستثمره وربح منه

0 4

السؤال

أنا امرأة، كنت قد كذبت على أهلي في موضوع المرض؛ أخبرتهم أنني مريضة بمرض خطير ليعطوني المال. كنت أنوي استعمال هذا المال في أمور أخرى، لا للعلاج.
وفي أحد الأيام -وبعد أن تخاصمت مع أهلي- ذهبت إلى أقاربي واشتكيت -كذبا- أنني مريضة، وأن أهلي لا يريدون معالجتي. بقيت أياما كثيرة عند أقاربي آكل وأشرب، حتى إن أحدهم أعطاني مبلغا من المال دون أن أطلب منه، وقال: إنه لشراء ما قد أحتاج إليه من أشياء بسيطة.
اشتريت بذلك المبلغ شريحة هاتف وباقة إنترنت، واستعملت الإنترنت في عملي عبر الإنترنت، وتمكنت بعدها من كسب أموال. فهل يجب علي إرجاع المبلغ الذي أعطوني إياه واستخدمته لشراء الإنترنت، أم يجب أن أرده مع زيادة، لأنني ربحت بواسطته المال عبر الإنترنت؟ وهل يجب أن أعوضهم عن أكلي وشربي وإقامتي عندهم في تلك الأيام، علما أنهم ظنوا أنني مريضة، وبقيت عندهم بعد مشاكلي مع عائلتي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن من أوهم الناس حاجته لعلاج أو غيره فأعطوه بسبب ذلك، فإنه لا يجوز له هذا المال، ويجب عليه أن يرده ولو بالحيلة، بحيث يوهمهم أنه هدية، أو ما أشبه ذلك.

فقد جاء في الغرر البهية للشيخ زكريا الأنصاريوحيث أعطاه ‌على ‌ظن ‌صفة، وهو في الباطن بخلافها، ولو علم ما به لم يعطه، لم يملك الآخذ ما أخذه. اهـ.

وقال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج: من أعطي لوصف يظن به كفقر، أو صلاح، أو نسب بأن توفرت القرائن أنه إنما أعطي بهذا القصد، أو صرح له المعطي بذلك، وهو باطنا بخلافه، حرم عليه الأخذ مطلقا، ومثله ما لو كان به وصف باطنا لو اطلع عليه المعطي لم يعطه، ويجري ذلك في الهدية أيضا على الأوجه، ومثلها سائر عقود التبرع فيما يظهر، كهبة، ووصية، ووقف، ونذر... وحيث حرم الأخذ لم يملك ما أخذه؛ لأن مالكه، لم يرض ببذله له. اهـ.

وقال الخطيب الشربيني في حاشيته على الغرر البهية: ويحرم عليه أخذها إن أظهر الفاقة، ولا يملك ما أخذه إن ظنه الدافع متصفا بها؛ لأنه قبضه بلا رضى من صاحبه؛ إذ لم يسمح له إلا على ظن الفاقة. اهـ.

فيجب عليك رد ما أخذته على وجه الحيلة والخداع.

وأما عن حكم الأموال التي كسبتها، فقد اختلف العلماء في الربح الناشئ عن استثمار المال المأخوذ بغير حق، هل يستحقه الآخذ أم المأخوذ منه، أم يكون بينهما؟ وقد لخص شيخ الإسلام ابن تيمية أقوال العلماء في ذلك مع بيان الراجح، فقال -رحمه الله- في مجموع الفتاوى: الحمد لله رب العالمين، أما المال المغصوب إذا عمل فيه الغاصب حتى حصل منه نماء: ففيه أقوال للعلماء: هل النماء للمالك وحده؟ أو يتصدقان به؟ أو يكون بينهما كما يكون بينهما إذا عمل فيه بطريق المضاربة والمساقاة والمزارعة، وكما يدفع الحيوان إلى من يعمل عليه بجزء من دره ونسله، أو يكون للعامل أجرة مثله إن كانت عادتهم جارية بمثل ذلك، كما فعل عمر بن الخطاب لما أقرض أبو موسى الأشعري ابنيه من مال الفيء مائتي ألف درهم، وخصهما بها دون سائر المسلمين، ورأى عمر بن الخطاب أن ذلك محاباة لهما لا تجوز، وكان المال قد ربح ربحا كثيرا بلغ به المال ثمانمائة ألف درهم، فأمرهما أن يدفعا المال وربحه إلى بيت المال، وأنه لا شيء لهما من الربح، لكونهما قبضا المال بغير حق. فقال له ابنه عبد الله: إن هذا لا يحل لك؛ فإن المال لو خسر وتلف كان ذلك من ضماننا، فلماذا تجعل علينا الضمان ولا تجعل لنا الربح؟ فتوقف عمر.
فقال له بعض الصحابة: نجعله مضاربة بينهم وبين المسلمين: لهما نصف الربح وللمسلمين نصف الربح، فعمل عمر بذلك.
وهذا مما اعتمد عليه الفقهاء في المضاربة، وهو الذي استقر عليه قضاء عمر بن الخطاب، ووافقه عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو العدل؛ فإن النماء حصل بمال هذا، وعمل هذا، فلا يختص أحدهما بالربح، ولا تجب عليهم الصدقة بالنماء؛ فإن الحق لهما لا يعدوهما؛ بل يجعل الربح بينهما كما لو كانا مشتركين شركة مضاربة
. اهـ.

فعلى ما رجحه شيخ الإسلام، فإن ما تستحقين من ربح المال الذي أخذته بغير حق هو النصف فقط، أما النصف الباقي فإن الواجب رده إلى من أخذت منه المال.

وأما الضيافة، فلا نرى وجوب ردها؛ لأنها ليست بسبب ما ادعيته من مرض كذبا، وإنما لحق الضيف، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحض على مكافأة صانع المعروف، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به، فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه. رواه أبو دواد، وغيره، وصحح النووي إسناده.

فلو كافأتهم على الضيافة، وعلى مقامك عندهم، ردا لبعض جميلهم، فهو أحسن.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة