السؤال
قال تعالى: {وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}، فهل هذه الآيات تدل على الوجوب، لكون أول السورة يقول: {إن الإنسان لفي خسر}؟ وهل المقصود بها النهي عن المنكر والأمر بالمعروف؟ أم إن المعنى هو التواصي عموما، ولو لم يوجد منكر ظاهر، كأن يكون المقصود من الآيات تبليغ العلم ونفع المسلمين؟ وهل هذا التواصي واجب يأثم تاركه؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من أصول الدين، كما يقول الغزالي، وهو واجب على المستطيع يأثم بتركه، وحكى النووي وابن حزم الإجماع على ذلك.
وقد دل على وجوبه الأمر الصريح في قول الله تعالى: ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون [آل عمران: 104].
وثبوت اللعن بتركه في قول الله سبحانه: لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون [المائدة: 78-79].
وأما قوله تعالى: وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر [العصر: 3]، فتدل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضا، وإنما عبر بالتوصية تنبيها على الرفق في الأمر والنهي.
قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: ولما كان الإنسان بعد كماله في نفسه بالأعمال لا ينتفي عنه مطلق الخسر - إلا بتكميل غيره، وحينئذ يكون وارثا؛ لأن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- بعثوا للتكميل، وكان الدين لا يقوم، وإذا قام لا يتم إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الناشئ عن نور القلب، ولا يتأتى ذلك إلا بالاجتماع، قال مخصصا لما دخل في الأعمال الصالحة تنبيها على عظمه: {وتواصوا} أي أوصى بعضهم بعضا بلسان الحال أو المقال: {بالحق} أي الأمر الثابت، وهو كل ما حكم الشرع بصحته فلا يصح بوجه نفيه من قول، أو عمل، أو اعتقاد، أو غيره من فعل أو ترك، فكانوا محسنين، والتكميل في القوة العملية باجتلاب الخيور يشمل الأمر بكل معروف؛ سواء أكان واجبا أو مستحبا، والنهي عن المنكر؛ سواء أكان محرما أو مكروها. وبإشاعة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع - ينصلح أفراده، ويندفع عنه الخسران! والأصل أن النصيحة واجبة على المسلم لإخوانه المسلمين، لا يسعه تركها متى قدر عليها. اهـ.
والله أعلم.