السؤال
باع والدي محصوله كله لأحد التجار، واشترط أن يكون الدفع دفعة واحدة. تم الاتفاق، غير أن التاجر أخذ يماطل في جمع المحصول؛ لأنه لم يدفع المبلغ. فأمهله والدي، وسمح له بأن يسدد على أقساط، خشية أن يتضرر المحصول، فيتضرر كلا الطرفين، إذ ربما يتحجج التاجر ثم ينكث عهده، ويكون المحصول قد تلف. وهذه عادة كثير من التجار، لا يلتزمون بكلمتهم، فيدفعون جزءا من المال ويأخذون من المحصول ما هو أكثر من قيمته. وبالطبع يربحون، لكنهم يريدون أن يكونوا قد أخذوا بزيادة، حتى إذا خسروا تحججوا بذلك.
وغالب ظن والدي أن التاجر لن يدفع المبلغ كاملا، لذلك أخذ من المحصول بعضا منه، وقال لنا: "إن سدد التاجر كامل المبلغ سأحسب له قيمة ما أخذت وزيادة احتياطا".
فسؤالي: هل يجوز لنا أكل ما أخذ من المحصول أم يعد ذلك حراما؟ خاصة أن المحصول له فترة محدودة، وأنا ممتنع عن أكله؛ لأنه أخذ قبل أن نتبين ظلم التاجر بالفعل، ولم يكن الأمر يقينا بل على سبيل الظن.
والتاجر غالبا يأخذ المحصول ثم يمتنع عن دفع مبالغ كبيرة، كعشرة أو عشرين ألفا، ويتذرع بالخسارة، ولا يصرح يوما بأنه ربح أو كف أذاه. وإذا كان خاسرا في كل مرة، فلم يشتري منا أصلا؟
كذلك، عند الاتفاق، تكون لي كمية معينة من المحصول فعليا، فهل يلزمني أن آخذها بحضور التاجر؟ غالبا ما يحدث ذلك في موسم الجمع والوزن وما إلى ذلك، لكني أريد أن آخذ نصيبي من غير أن أقيد بوجوده؛ لأن لي الحق فيه كما له الحق، وهذه أرضي. ولم يشترط أصلا أن يكون موجودا عند الأخذ أو لا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي نعرفه عن بيع المحصول كله أنه يعني البيع دفعة واحدة، وأخذ ثمنه كاملا من المشتري، على أن يتحمل المشتري بعد ذلك مسؤولية الحصاد، والنقل، والتسويق.
والذي فهمناه من السؤال أن المحصول قد بدا صلاحه، كما يدل عليه قول السائل: (التاجر أخذ يماطل في جمع المحصول؛ لأنه لم يدفع المبلغ. فأمهله والدي، وسمح له بأن يسدد على أقساط، خشية أن يتضرر المحصول، فيتضرر كلا الطرفين).
فإن كان كذلك؛ فهذا البيع صحيح، وملزم للطرفين، فإذا خلى البائع بين المشتري وبين المحصول، وتمكن من الحصاد، ثم فرط في ذلك، وتلف شيء من المحصول، كان من ضمانه هو، لا من ضمان البائع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في جامع المسائل-: الشارع بعث بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فنهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها؛ لما فيه من المخاطرة من غير حاجة، وأما بعد بدو صلاحها، فهم محتاجون إلى بيعها في هذه الحال، وإن كان فيه نوع مخاطرة؛ لأن المنع من ذلك أشد ضررا على الناس من المخاطرة، كما في الإجارة؛ لأن المنع منها أشد ضررا من إباحتها مع المخاطرة، ثم إنه جبر هذا الضرر بوضع الجوائح، فما تلف قبل التمكن من قبضه كان من مال البائع كالمؤجر، وأما إذا تمكن من الجداد والحصاد ففرط حتى تلفت العين، أو أخر ذلك لطلب ارتفاع السعر، فإن الضمان هنا يكون من ماله. اهـ.
وإذا صح البيع، وثبت الثمن في ذمة المشتري، فلا يجوز للبائع أخذ شيء من المحصول المباع إلا بإذن المشتري؛ لأنه مالكه، ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه.
وإذا أخل المشتري بواجبه في دفع الثمن، فأنقصه أو أخره، كان ظالما متعديا، وللبائع مطالبته بحقه كاملا، ومقاضاته على ذلك.
وإذا اتفق البائع مع المشتري على أخذ كمية معينة من المحصول، فلا حرج في أخذها ولو في غياب المشتري، إذا التزم بحدود الاتفاق ولم يتعد المتفق عليها، إلا إذا اشترط المشتري أن يكون حاضرا، فيجب على البائع الالتزام بالشرط؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم. رواه البخاري تعليقا، وأبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني.
وإذا اختلف الطرفان في شيء من حقوق العقد أو توابعه، واختصموا في ذلك، فهذا يحتاج إلى نظر القاضي أو المحكم؛ ليسمع من الطرفين، ويقف على بيناتهم، ويدرك حقيقة الدعوى، ويفصل فيها.
والله أعلم.