السؤال
قلتم في الفتوى رقم 18304 ما نصه: وليعلم أن العلماء اصطلحوا بعد ذلك على تقسيم قراءات القرآن إلى سبع قراءات، حتى توهم عوام الناس أن القراءات السبع التي اصطلح عليها العلماء هي بعينها الأحرف السبعة الواردة في الحديث السابق، وهذا خطأ. قال السيوطي رحمه الله في الإتقان: قال أبو شامة: ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث، وهو خلاف أهل العلم قاطبة.
وفي الفتوى رقم 102656 ذكرتم رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله برحمته الواسعة، عن حكم الجمع بين القراءات، فقلتم ما نصه: وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن جمع القراءات السبع: هل هو سنة أم بدعة؟ … فكان مما أجاب به: … وأما جمعها في الصلاة أو في التلاوة فهو بدعة مكروهة… اهـ.
وفي الفتوى رقم 339895 نقلتم عن شيخ الإسلام رحمه الله ما نصه: وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: يجوز أن يقرأ بعض القرآن بحرف أبي عمرو، وبعضه بحرف نافع، وسواء كان ذلك في ركعة أو ركعتين، وسواء كان خارج الصلاة أو داخلها. اهـ.
سؤالي هو: إذا كانت أحرف القرآن غير قراءاته السبع، فلماذا سمى شيخ الإسلام كلا من قراءة أبي عمرو وقراءة نافع حرفا؟ وما هو رأي شيخ الإسلام في الجمع بين القراءات؟ حيث إنه أجازه في الفتوى الأخيرة، وبدعه في الفتوى السابقة عليها؟ هل يفهم من كلامه رحمه الله أن الجمع بين القراءات جائز مع كونه بدعة مكروهة؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتعبير عن قراءة قارئ بحرف فلان، كقول: حرف ابن مسعود، أو حرف أبي عمرو، تعبير شائع عند العلماء، والمقصود بالحرف هو القراءة، ولا يقصد بذلك الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم.
قال مكي بن أبي طالب في الإبانة عن معاني القراءات: فأما قول الناس: قرأ فلان بالأحرف السبعة، فمعناه أن قراءة كل إمام تسمى حرفا، كما يقال: قرأ بحرف نافع، وبحرف أبي، وبحرف ابن مسعود. وكذلك قراءة كل إمام تسمى حرفا، فهي أكثر من سبعمائة حرف لو عددنا الأئمة الذين نقلت عنهم القراءة من الصحابة فمن بعدهم.
فليس المراد بقولك: قرأ فلان بالأحرف السبعة، هي التي نص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا شيء لم يتأوله أحد، ولا تعاطاه أحد، ولا يقدر على ذلك. اهـ.
وقال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: لا نزاع بين العلماء المعتبرين أن الأحرف السبعة التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن أنزل عليها ليست هي قراءات القراء السبعة المشهورة، بل أول من جمع قراءات هؤلاء هو الإمام أبو بكر بن مجاهد، وكان على رأس المائة الثالثة ببغداد، فإنه أحب أن يجمع المشهور من قراءات الحرمين، والعراقين، والشام، إذ هذه الأمصار الخمسة هي التي خرج منها علم النبوة من القرآن وتفسيره، والحديث، والفقه في الأعمال الباطنة والظاهرة، وسائر العلوم الدينية، فلما أراد ذلك جمع قراءات سبعة مشاهير من أئمة قراء هذه الأمصار، ليكون ذلك موافقا لعدد الحروف التي أنزل عليها القرآن، لا لاعتقاده، أو اعتقاد غيره من العلماء أن القراءات السبعة هي الحروف السبعة، أو أن هؤلاء السبعة المعينين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءتهم. اهـ.
وأما قول ابن تيمية عن القراءات: وأما جمعها في الصلاة، أو في التلاوة فهو بدعة مكروهة، وأما جمعها لأجل الحفظ والدرس فهو من الاجتهاد الذي فعله طوائف في القراءة، وأما الصحابة والتابعون فلم يكونوا يجمعون. اهـ.
فالمقصود ما يعرف عند القراء: بقراءة الجمع، التي يحصل فيها تكرار الألفاظ المختلفة عند القراء، وقد فسر كلامه في موضع آخر فقال: جمع ألفاظ الدعاء، والذكر الواحد، على وجه التعبد مثل جمع حروف القراء كلهم لا على سبيل الدرس والحفظ، لكن على سبيل التلاوة والتدبر، مع تنوع المعاني، مثل أن يقرأ في الصلاة: {في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون}، {بما كانوا يكذبون}، {ربنا باعد بين أسفارنا}، {بعد بين أسفارنا}، {وما الله بغافل عما تعملون}، {عما يعملون}، {ويضع عنهم إصرهم}، {آصارهم}، {وأرجلكم إلى الكعبين}، {وأرجلكم}، {ولا تقربوهن حتى يطهرن}، {حتى يطهرن}، {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا}، {إلا أن يخافا}، {أو لامستم النساء}، {أو لمستم}. ومعلوم أن هذا بدعة مكروهة قبيحة. اهـ.
فهذا الجمع في الصلاة أو في التلاوة -على غير وجه الاستذكار والتعليم- بدعة مكروهة.
وأما أن يقرأ القارئ آية بقراءة حفص، ثم الآية التي تليها بقراءة ورش مثلا، فهو جائز وليس بمكروه.
وهذا المقصود بقوله -كما في مجموع الفتاوى-: يجوز أن يقرأ بعض القرآن بحرف أبي عمرو، وبعضه بحرف نافع، وسواء كان ذلك في ركعة، أو ركعتين، وسواء كان خارج الصلاة، أو داخلها. اهـ.
والله أعلم.