أقوال الأئمة في المسح على الجوربين

0 383

السؤال

ما حكم المسح على الجوربين عند الأئمة الأربعة؟ وما دليله. والرجاء ذكر أسماء الكتب عند الإجابة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد اتفقت المذاهب الأربعة على جواز المسح على الخفين لثبوت المسح عليهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إن الحافظ ابن حجر قال في الفتح: "وقد صرح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم." انتهى.

أما المسح على الجوربين فهو جائز عندهم في الجملة على خلاف بينهم في الشروط، وإليكم النقول عنهم في ذلك.

أما الأحناف فيجوز عندهم المسح على الجوربين إن كانا مجلدين أو منعلين، بلا خلاف عندهم، وأما غير المجلدين والمنعلين ففي جواز المسح عليهما خلاف بين الإمام وصاحبيه، قال أبو بكر الكاساني في بدائع الصنائع: وأما المسح على الجوربين، فإن كانا مجلدين أو منعلين يجزيه بلا خلاف عند أصحابنا، وإن لم يكونا مجلدين ولا منعلين فإن كانا رقيقين يشفان الماء لا يجوز المسح عليهما بالإجماع، وإن كانا ثخينين لا يجوز عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف ومحمد يجوز، وروي عن أبي حنيفة أنه رجع إلى قولهما في آخر عمره. انتهى.

وأما المالكية فيجوز عندهم المسح على الجوربين بشرط أن يكونا مجلدين من الظاهر والباطن. قال خليل ابن إسحاق المالكي في مختصره: رخص لرجل وامرأة وإن مستحاضة بحضر أو سفر مسح جورب جلد ظاهره وباطنه. انتهى.

قال محمد بن محمد سالم الشنقيطي في لوامع الدرر في هتك أستار المختصر:

يعني أنه يباح للرجل والمرأة مسح الجورب في الوضوء. والجورب هو ما كان على شكل الخف من قطن أو كتان أو غيرهما، وإنما يمسح على الجورب بشرط أن يكون قد ‌جلد ‌ظاهره ‌وباطنه يعني أنه يشترط في المسح على الجورب أن يجلد ظاهره أي يجعل عليه جلد، وأن يجلد باطنه أيضا. وظاهره هو ما يلي السماء، وباطنه هو ما يلي الأرض، وليس المراد بالباطن ما يلي الرجل. انتهى.

وأما الشافعية فيجوز المسح عندهم على الجوربين بشرط أن يكونا صفيقين منعلين، حكى ذلك الشيرازي في المهذب حيث قال: وإن لبس جوربا جاز المسح عليه بشرطين أحدهما أن يكون صفيقا لا يشف والثاني أن يكون منعلا فإن اختل أحد الشرطين لم يجز المسح عليه انتهى.

لكن تعقبه الإمام النووي في المجموع بأن صوب أن التنعيل ليس شرطا، وإنما الشرط أن يكونا صفيقين يمكن تتابع المشي بهما، فقال: وقال القاضي أبو الطيب لا يجوز ‌المسح ‌على ‌الجورب إلا أن يكون ساترا لمحل الفرض ويمكن متابعة المشي عليه قال وما نقله المزني من قوله إلا أن يكونا مجلدي القدمين ليس بشرط وإنما ذكره الشافعي رضي الله عنه لأن الغالب أن الجورب لا يمكن متابعة المشي عليه إلا إذا كان مجلد القدمين هذا كلام القاضي أبي الطيب وذكر جماعات من المحققين مثله ونقل صاحبا الحاوي والبحر وغيرهما وجها أنه لا يجوز المسح وإن كان صفيقا يمكن متابعة المشي عليه حتى يكون مجلد القدمين والصحيح بل الصواب ما ذكره القاضي أبو الطيب والقفال وجماعات من المحققين أنه إن أمكن متابعة المشي عليه جاز كيف كان وإلا فلا وهكذا نقله الفوراني في الإبانة عن الأصحاب أجمعين فقال قال أصحابنا إن أمكن متابعة المشى على الجوربين جاز المسح عليهما وإلا فلا. انتهى.

وأما الحنابلة فيجوز عند المسح على الجوربين الصفيقين الذين يثبتان على القدم ويمكن تتابع المشي بهما سواء كانا منعلين أو غير منعلين، قال ابن قدامة في المغني: شارحا قول الخرقي: (وكذلك الجورب الصفيق الذى لا يسقط إذا مشى فيه) قال ابن قدامة: إنما يجوز المسح على الجورب بالشرطين اللذين ذكرناهما في الخف، أحدهما أن يكون صفيقا، لا يبدو منه شيء من القدم. الثاني أن يمكن متابعة المشي فيه. هذا ظاهر كلام الخرقي. قال أحمد في المسح على الجوربين بغير نعل: إذا كان يمشى عليهما، ويثبتان في رجليه، فلا بأس. وفي موضع قال: يمسح عليهما إذا ثبتا في العقب. وفي موضع قال: إن كان يمشى فيه فلا ينثني، فلا بأس بالمسح عليه، فإنه إذا انثنى ظهر موضع الوضوء. ولا يعتبر أن يكونا مجلدين، قال أحمد: يذكر المسح على الجوربين عن سبعة، أو ثمانية، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن المنذر: ويروى إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ علي، وعمار، وابن مسعود، وأنس، وابن عمر، والبراء، وبلال، وابن أبى أوفى، وسهل بن سعد، وبه قال عطاء، والحسن، وسعيد بن المسيب، والنخعي، وسعيد بن جبير، والأعمش، والثوري، والحسن بن صالح، وابن المبارك، وإسحاق، ويعقوب، ومحمد. .... ولنا، ما روى المغيرة بن شعبة، أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وهذا يدل على أن النعلين لم يكونا عليهما؛ لأنهما لو كانا كذلك لم يذكر النعلين، فإنه لا يقال: مسحت على الخف ونعله، ولأن الصحابة رضى الله عنهم، مسحوا على الجوارب، ولم يظهر لهم مخالف في عصرهم، فكان إجماعا، ولأنه ساتر لمحل الفرض، يثبت في القدم، فجاز المسح عليه، كالنعل. وقولهم: لا يمكن متابعة المشي فيه. قلنا: لا يجوز المسح عليه إلا أن يكون مما يثبت بنفسه، ويمكن متابعة المشي فيه. فأما الرقيق فليس بساتر. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة