القول بإثبات العينين لله جل جلاله

0 385

السؤال

هل ثبت شيء من التجسيم عن شيخ الإسلام أو فناء النار أو عن ابن القيم (كتابه حادي الارواح)...وهل قال ابن تيمية إن لله عينان وليس هناك نص بهذا.,..أفيدونا بارك الله فيكم

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن المعروف عن شيخ الإسلام الذي صرح به في كتبه وفتاواه هو إثبات ما أثبته الله لنفسه من الصفات إثباتا يليق بالله كما فهمه السلف الصالح، والتوقف عما لم يثبت، وقد بينا ثناء العلماء عليه ونفي اتهامه بالتجسيم في الفتوى رقم: 7022.

وقد بينا تحقيق القول في مسألة فناء النار وإثبات قوله بعدم فنائها في الفتاوى التالية أرقامها: 7485، 4228، 59060، 1676 . وأما ابن القيم فقد نقل عنه كل من القولين، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 64739.

 وأما لفظ العينين فليس هو في القرآن ولكن جاء في حديث. وذكر الأشعري عن أهل السنة والحديث أنهم يقولون إن لله عينين ، ولكن الذي جاء في القرآن: ولتصنع على عيني {طه: 39} واصنع الفلك بأعيننا ووحينا هود: 37} وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا. اهـ.

وقد نقل في نقض التأسيس عن أبي الحسن الأشعري القول بإثبات العينين فقال: وقال أبو الحسن الأشعري في كتاب جمل المقالات: هذه حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة، جملة ما عليه أصحاب الحديث وأهل السنة الإقرار بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من الله وما تلقاه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يردون شيئا من ذلك، وأن الله واحد أحد فرد صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه على عرشه كما قال: الرحمن على العرش استوى {طه: 5} وأن له يدين بلا كيف كما قال: لما خلقت بيدي  {الزمر: 75} وكما قال تعالى: بل يداه مبسوطتان {المائدة: 64} وأن له عينين بلا كيف كما قال: تجري بأعيننا {القمر: 14}.

وقد فصل ابن القيم في الصواعق المرسلة القول في المسألة ونقل كلام الأشعري من كتبه فقال:  

التاسع: أن دعوى الجهمي أن ظاهر القرآن يدل على أن لله أيديا كثيرة على جنب واحد، وأعينا كثيرة على وجه واحد عضه للقرآن وتنقص له وذم، ولا يدل ظاهر القرآن ولا باطنه على ذلك بوجه ما ولا فهمه من له عقل، ولو كان ذلك ظاهر القرآن لكان المخبر به منفرا للمدعوين عن الإيمان بالله ورسوله ومطرقا له إلى الطعن عليه، والله سبحانه قال: تجري بأعيننا {القمر: 14} وقال: واصنع الفلك بأعيننا {هود: 37} وقال: واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا {الطور: 48} وقال: أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما {يس: 71} وقال في قصة موسى: ولتصنع على عيني (طه:39)

 فنذر العين المفردة مضاف إلى الضمير المفرد، والأعين مجموعة مضاف إلى ضمير الجمع، وذكر العين مفردة لا يدل على أنها عين واحدة ليس إلا. كما يقول القائل: افعل هذا على عيني وأجيئك على عيني وأحمله على عيني ولا يريد به أن له عينا واحدة، فلو فهم أحد هذا من ظاهر كلام المخلوق لعد أخرق.

 وأما إذا أضيفت العين إلى اسم الجمع ظاهرا أو مضمرا فالأحسن جمعها مشاكلة للفظ كقوله: تجري بأعيننا {القمر: 14} وقوله: واصنع الفلك بأعيننا {هود: 37} وهذا نظير المشاكلة في لفظ اليد المضافة إلى المفرد كقوله: بيده الملك {الملك: 1} و:  بيدك الخير {آل عمران: 26} وإن أضيفت إلى ضمير جمع جمعت كقوله: أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما {يس: 71} وكذلك إضافة اليد والعين إلى اسم الجمع الظاهر كقوله: بما كسبت أيدي الناس {الروم: 41} وقوله: قالوا فأتوا به على أعين الناس {الأنبياء: 61}  

وفي نطق القرآن والسنة بذكر اليد مضافة إليه سبحانه مفردة ومثناة ومجموعة . وبلفظ العين مضافة إليه مفردة ومجموعة، ونطقت السنة بإضافتها إليه مثناة كما قال عطاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا قام في الصلاة قام بين عيني الرحمن فإذا التفت قال له ربه: إلى من تلتفت؟ إلى خير لك مني. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن ربكم ليس بأعور. صريح في أنه ليس المراد إثبات عين واحدة ليس إلا. فإن ذلك عور ظاهر، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وهل يفهم من قول الداعي: (اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام) . أنها عين واحدة ليس إلا ( إلا ) ذهن أقلف وقلب أغلف.

 قال: خلف بن تميم: حدثنا عبد الجابر بن كثير: قال: قيل لإبراهيم بن أدهم: هذا السبع فنادى يا قسورة إن كنت أمرت فينا بشيء وإلا -يعني- فاذهب، فضرب بذنبه وولى مدبرا فنظر إبراهيم إلى أصحابه وقال : قولوا: (اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام واكنفنا بكنفك الذي لا يرام وارحمنا بقدرتك علينا ولا نهلك وأنت الرجاء) .

 قال عثمان الدارمي: الأعور ضد البصير بالعينين، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): في الدجال إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور. وقد احتج السلف على إثبات العينين له سبحانه بقوله: تجري بأعيننا {القمر: 14} وممن صرح بذلك إثباتا واستدلالا أبو الحسن الأشعري في كتبه كلها فقال في المقالات والموجز والإبانة وهذا لفظه فيها: وجملة قولنا أن نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله إلى أن قال: وإن الله مستوي على عرشه كما قال: الرحمن على العرش استوى {طه: 5} وأن له وجها كما قال: ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام {الرحمن: 27} وأن له يدين كما قال: بل يداه مبسوطتان {المائدة: 64} وقال: لما خلقت بيدي {الزمر: 75} وأن له عينين بلا كيف كما قال: تجري بأعيننا {القمر: 14} فهذا الأشعري والناس قبله وبعده ومعه لم يفهموا من الأعين أعينا كثيرة على وجه. اهـ

هذا، وننبه إلى أن الحديث الذي أشار إليه شيخ الإسلام في العينين ربما يكون حديث ابن أبي الدنيا الذي سبق بيان ذكر ابن القيم له في الصواعق وهو حديث ضعيف السند كما بينه العقيلي في الضعفاء والألباني في الضعيفة والشيخ مصلح الحارثي في تحقيق كتاب التهجد لابن أبي الدنيا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة