الرد على من زعم أن القرآن يحتوي على أخطاء لغوية

0 546

السؤال

في قراءتي لأحد المواقع المسيحية وجدت الموضوع التالي وأريد منكم بعض الشرح لتنيروا به دربي في المجال الدعوي .. أخطاء لغوية في القرآن 1. البقرة آية 196 (تلك عشرة كاملة)، والصواب: تلك عشر كاملة . 2. الأعراف آية 160 (اثنتي عشرة أسباطا)، والصواب: التذكير في الأول والإفراد في الثاني ، أي: اثني عشر سبطا. 3. النساء آية 162 (والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة)، والصواب: والمقيمون الصلاة. 4. المائدة آية 69 (والصابئون والنصارى)، والصواب: والصابئين. 5. المنافقون آية 10 (وأكن من الصالحين)، والصواب: وأكون بالنصب. 6. آل عمران آية 59 (ثم قال له كن فيكون)، والصواب: فكان. 7. الصافات آية 130 (سلام على إلياسين)، والصواب: إلياس. 8. التين آية 2 (وطور سينين)، والصواب: سيناء. 9. الحج آية 19 (هذان خصمان اختصموا في ربهم)، والصواب: اختصما في ربهما. 10. الحجرات آية 9 (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما)، والصواب: اقتتلتا أو: بينهم. 11. الأنبياء آية 3 (وأسروا النجوى الذين ظلموا)، والصواب: وأسر النجوى.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن مثل هذا الموقع لا ينبغي مطالعته لمن ليس متحصنا بالعلم.

واعلم أن القرآن قد أنزل بلسان عربي مبين، وأتى فيه من أساليب البلاغة ما عجز أرباب اللغة عن مضاهاته والإتيان بمثله، كما قال الله تعالى: فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين{البقرة:23}، فبهتوا حتى قال قائلهم وهو الوليد بن المغيرة: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق... كما عند عبد الرزاق وغيره.

ومع تحدي القرآن للعرب ووجود الدافع منهم للمعارضة والنقض والتشنيع، وانتفاء المانع ببلوغهم ذروة الفصاحة والبيان لم ينقل عن أحد منهم أنه طعن في لغة القرآن، بل غاية ما قالوا عنه: إنه سحر مفترى

والآن سنبدأ بالإجابة عما سألت عنه.

·    البقرة آية 196 (تلك عشرة كاملة)، قالوا إن الصواب هو : تلك عشر كاملة. هذا جهل واضح باللغة؛ وذلك لأن الآية الكريمة تتعلق بالأيام. قال الله تعالى:  فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة {البقرة: 196}. ومعلوم أن اليوم مذكر، وأن التاء في العدد تكون مع المذكر وتحذف من المؤنث.

·    الأعراف آية 160 (اثنتي عشرة أسباطا)، قالوا إن الصواب هو: التذكير في الأول والإفراد في الثاني، أي: اثني عشر سبطا، والجواب عن ذلك هو أن تأنيث العدد فيه لأنه أراد بالأسباط القبائل، كما في قول الشاعر:

 وإن قريشا كلها عشر أبطن   * وأنت بريء من قبائلها العشر

 أراد بالبطن القبيلة، فأنث العدد كذا في تفسير الشوكاني، وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وجيء باسم العدد بصيغة التأنيث في قوله (اثنتي عشرة) لأن السبط أطلق هنا على الأمة فحذف تمييز العدد لدلالة قوله أمما عليه.

 وأسباطا حال من الضمير المنصوب في (وقطعناهم) ولا يجوز كونه تمييزا لأن تمييز اثنتي عشرة ونحوه لا يكون إلا مفردا. وقوله: أمما بدل من أسباط أو من اثنتي عشرة، وعدل عن جعل أحد الحالين تمييزا في الكلام إيجازا وتنبيها على قصد المنة بكونهم أمما من آباء إخوة، وإن كل سبط من أولئك قد صار أمة، قال تعالى: واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم. مع ما يذكر به لفظ أسباط من تفضيلهم لأن الأسباط أسباط إسحاق بن إبراهيم عليه السلام.

النساء آية 162 والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة، قالوا إن الصواب: والمقيمون الصلاة. والجواب: ذكر الشوكاني في التفسير أنه اختلف في وجه نصبه على قراءة الجمهور على أقوال: الأول: قول سيبويه أنه نصب على المدح، قال سيبويه: هذا باب ما ينتصب على التعظيم، ومن ذلك والمقيمين الصلاة.

 وأنشد:

 لا يبعدن قومي الذين هم   * سم العداة وآفة الجزر

 النازلين بكل معترك   * والطيبون معاقد الأزر

 قال النحاس: وهذا أصح ما قيل في المقيمين.

· المائدة آية 69 والصابئون والنصارى، قالوا إن الصواب هو: والصابئين. والجواب كما قال الخليل وسيبوبه: الرفع محمول على التقديم والتأخير، والتقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والصابئون والنصارى كذلك، وأنشد سيبويه وهو نظيره:

 وإلا فاعلموا أنا وأنتم   * بغاة ما بقينا في شقاق

 وقال ضابئ البرجمي:

      فمن يك أمسى بالمدينة رحله    *فإني وقيــار بهــا لغريب

 وقيل: إن "الصابئون" معطوف على المضمر في " هادوا " في قول الكسائي.

· المنافقون آية 10  وأكن من الصالحين، قالوا إن الصواب هو: وأكون بالنصب. والجواب أن هذه الكلمة قرأها الجمهور (وأكن) بالجزم عطفا على محل فأصدق لأنه على معنى: إن أخرتني أصدق وأكن، وكذا قال أبو علي الفارسي وابن عطية وغيرهم.

 قال أبو شامة في شرح الشاطبية: وقرأ أبو عمرو -وأكون من الصالحين- عطفا على -فأصدق- لفظا وهي قراءة واضحة. وقرأ غيره بإسكان النون وحذف الواو لالتقاء الساكنين، ووجه ذلك أنه مجزوم عطفا على موضع فأصدق لأن الفاء لو لم تدخل لكان أصدق مجزوما لأنه جواب التحضيض الذي هو في معنى التمني والعرض، والكل فيه معنى الأمر، وما كان كذلك ينجزم جوابه على قاعدة في علم العربية مقررة: وإن كان فيه فاء انتصب... فلما كان الفعل المنتصب بعد الفاء في موضع فعل مجزوم كأنه جزاء الشرط حمل قوله (وأكن) عليه مثل ذلك قراءة من قرأ: من يضلل الله فلا هادي له ونذرهم...

·  آل عمران آية 59 : ثم قال له كن فيكون، قالوا إن الصواب هو: فكان. والجواب أن المستقبل يكون في موضع الماضي إذا عرف المعنى كما قال أهل اللغة والمفسرون. انظر تفسير القرطبي.

·    الصافات آية 130 سلام على إل ياسين، قالوا إن الصواب هو: إلياس. والجواب أن إلياسين وإلياس اسم سرياني تكلمت به العرب على وجوه كما فعلوا في جبريل وميكال فقالوا: إلياسين كجبرائيل وإبراهيم وميكائيل. وقالوا: إلياس كإسحاق؛ كذا قال السخاوي في شرح الشاطبية، وقال ابن جني: العرب تتلاعب بالأسماء الأعجمية تلاعبا، فياسين، وإلياس، وإلياسين شيء واحد. وذهب أبو عبيدة إلى أنه جمع جمع التسليم على أنه وأهل بيته سلم عليهم، وأنشد: قدني من نصر الخبيبين قدي... وإنما يريد أبا خبيب عبد الله بن الزبير فجمعه على أن من كان على مذهبه داخل معه. كذا في تفسير القرطبي.

·    التين آية 2 وطور سينين، قالوا إن الصواب هو : سيناء. والجواب أن طور سيناء وطور سنين هو موضع واحد وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى وليس جمعا، وإنما هما اسمان، ويمكنك أن تراجع كتب التفسير في هذا.

·    الحج آية 19 هذان خصمان اختصموا في ربهم ، قالوا إن الصواب هو: اختصما في ربهما. والجواب هو أن الخصام جرى بين فريقين، وقوله تعالى (اختصموا) للدلالة على أن كلا من الخصمين جماعة كبيرة، ولو قال اختصما لدل على التثنية الحقيقية، والضمير قد يلاحظ فيه لفظه أو معناه، والجواب عن هذه الشبهة هو مثل الجواب عن قوله تعالى وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما {الحجرات: 9}.

فالعرب قد تطلق لفظ الجماعة على الواحد وعلى التثنية، ومنه قوله: وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب {ص 21} ثم قال: خصمان بغى بعضنا على بعض {ص 22} وقال: فقد صغت قلوبكما {التحريم 4} وقال: وكنا لحكمهم شاهدين {الأنبياء 78} وقال: بم يرجع المرسلون {النمل 35} والرسول واحد. وقال تعالى: أولئك مبرأون مما يقولون {النور: 26} يعني عائشة وقيل عائشة وصفوان. وقال: وألقى الألواح {الأعراف 15} وكانا اثنين كما نقل في التفسير، وقال: وأطراف النهار {طـه: 130} وهما طرفان، وقال: إنا معكم مستمعون {الشعراء 15} وقال: أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون {السجدة:18} وقال: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم {آل عمران 173} وكان واحدا... وهذا كله صحيح في اللغة سائغ إذا قام عليه دليل.

·     الأنبياء آية 3  وأسروا النجوى الذين ظلموا {الأنبياء: 3}، قالوا إن الصواب: وأسر النجوى. والجواب أن هذا التركيب مطابق لقواعد اللغة العربية باتفاق علماء اللغة وإن اختلفوا في الفاعل الذي أسند إليه الفعل، والجمهور على أنه مسند للضمير، والاسم الظاهر بدل منه. قال ابن مالك في ألفيته:

 وجرد الفعل إذا ما أسندا    لاثنين أو جمع كفاز الشهدا

 وقد يقال سعدا وسـعدوا    والفعل للظاهر بعد مسـند

وخلاصة القول في الرد على هذه الشبه أنه يكفي لبيان بطلانها الرجوع إلى كتب اللغة والنحو والبلاغة، فيتضح أن ما زعموه أخطاء هو موافق لنسق اللسان العربي وليس مخالفا له، ولو كان مثل ذلك يعد خطأ لسبقهم العرب المشركون وأهل الكتاب إلى إظهاره والتمسك به، وكانت دواعيهم لذلك متوفرة، ولكن الذي حصل أنهم اعترفوا بإعجازه، وخضعوا لفصاحته وبلاغته.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات