صفحة جزء
5538 ( 2 ) حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قالا : كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين هدنة ، فكان بين بني كعب وبين بني بكر قتال بمكة ، فقدم صريخ بني كعب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :

لاهم إني ناشد محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا     فانصر هداك الله نصرا عتدا
وادع عباد الله يأتوا مددا

فمرت سحابة فرعدت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هذه لترعد بنصر بني كعب ، ثم قال لعائشة : جهزيني ولا تعلمن بذلك أحدا ، فدخل عليها أبو بكر فأنكر بعض شأنها ، فقال : ما هذا ؟ قالت : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أجهزه ، قال : إلى أين ؟ قالت : إلى مكة ، قال : فوالله ما انقضت الهدنة بيننا وبينهم بعد ، فجاء أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنهم أول من غدر ، ثم أمر بالطريق فحبست ، ثم خرج وخرج المسلمون معه ، فغم لأهل مكة لا يأتيهم خبر ، فقال أبو سفيان لحكيم بن حزام : أي حكيم ، والله لقد غمنا واغتممنا ، فهل لك أن تركب ما بيننا وبين مرو ، لعلنا أن نلقى خبرا ، فقال له بديل بن ورقاء الكعبي من خزاعة : وأنا معكم ، قالا : وأنت إن شئت ، قال : فركبوا حتى إذا دنوا من ثنية مرو أظلموا فأشرفوا على الثنية ، فإذا النيران قد [ ص: 528 ] أخذت الوادي كله ، قال أبو سفيان لحكيم : ما هذه النيران ؟ قال بديل بن ورقاء : هذه نيران بني عمرو ، جوعتها الحرب ، قال أبو سفيان : لا وأبيك لبنو عمرو أذل وأقل من هؤلاء ، فتكشف عنهم الأراك ، فأخذهم حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من الأنصار ، وكان عمر بن الخطاب تلك الليلة على الحرس ، فجاءوا بهم إليه ، فقالوا : جئناك بنفر أخذناهم من أهل مكة ، فقال عمر وهو يضحك إليهم : والله لو جئتموني بأبي سفيان ما زدتم ، قالوا : قد والله أتيناك بأبي سفيان ، فقال : احبسوه ، فحبسوه حتى أصبح ، فغدا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له : بايع ، فقال : لا أجد إلا ذاك أو شرا منه ، فبايع ، ثم قيل لحكيم بن حزام : بايع ، فقال : أبايعك ولا أخر إلا قائما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما من قبلنا فلن تخر إلا قائما ، فلما ولوا قال أبو بكر : أي رسول الله ، إن أبا سفيان رجل يحب السماع يعني الشرف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن إلا ابن خطل ، ومقيس بن صبابة الليثي ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، والقينتين ، فإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة فاقتلوهم ، قال : فلما ولوا قال أبو بكر : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لو أمرت بأبي سفيان فحبس على الطريق وأذن في الناس بالرحيل ، فأدركه العباس فقال : هل لك إلى أن تجلس حتى تنظر ؟ قال : بلى ، ولم يكن ذلك إلا أن يرى ضعفة فيتناولهم ، فمرت جهينة فقال : أي عباس ، من هؤلاء ؟ قال : هذه جهينة ، قال : ما لي ولجهينة ، والله ما كانت بيني وبينهم حرب قط ، ثم مرت مزينة فقال : أي عباس ، من هؤلاء ؟ قال : هذه مزينة ، قال : ما لي ولمزينة ، والله ما كانت بيني وبينهم حرب قط ، ثم مرت سليم فقال : أي عباس ، من هؤلاء ؟ قال : هذه سليم ، قال : ثم جعلت تمر طوائف العرب فمرت عليه أسلم وغفار فيسأل عنها فيخبره العباس ، حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخريات الناس في المهاجرين الأولين والأنصار في لامة تلتمع البصر ، فقال : أي عباس ، من هؤلاء ؟ قال : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين الأولين والأنصار قال : لقد أصبح ابن أخيك عظيم الملك ، قال : لا والله ، ما هو بملك ، ولكنها النبوة ، وكانوا عشرة آلاف أو اثني عشر ألفا ، قال : ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية إلى سعد بن عبادة ، فدفعها سعد إلى ابنه قيس بن سعد ، وركب أبو سفيان فسبق الناس حتى اطلع عليهم من الثنية ، قال له أهل مكة : ما وراءك ؟ قال : ورائي الدهم ، ورائي ما لا قبل لكم به ، ورائي من لم أر مثله ، من دخل داري فهو آمن ، فجعل الناس يقتحمون داره ، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف بالحجون بأعلى مكة ، وبعث الزبير بن العوام في الخيل في أعلى الوادي ، وبعث خالد بن الوليد في الخيل في أسفل الوادي ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك لخير أرض الله [ ص: 529 ] وأحب أرض الله إلى الله ، إني والله لو لم أخرج منك ما خرجت ، وإنها لم تحل لأحد كان قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من النهار ، وهي ساعتي هذه ،
حرام لا يعضد شجرها ، ولا يحتش حشيشها ولا يلتقط ضالتها إلا منشد فقال له رجل يقال له شاه ، والناس يقولون : قال له العباس : يا رسول الله ، إلا الإذخر ، فإنه لبيوتنا وقبورنا وقيوننا أو لقيوننا وقبورنا ، فأما ابن خطل فوجد متعلقا بأستار الكعبة فقتل ، وأما مقيس بن صبابة فوجدوه بين الصفا والمروة فبادره نفر من بني كعب ليقتلوه ؛ فقال ابن عمه نميلة : خلوا عنه ، فوالله لا يدنو منه رجل إلا ضربته بسيفي هذا حتى يبرد ، فتأخروا عنه فحمل عليه بسيفه ففلق به هامته ، وكره أن يفخر عليه أحد ، ثم طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت ، ثم دخل عثمان بن طلحة فقال : أي عثمان ، أين المفتاح ؟ فقال هو عند أمي سلامة ابنة سعد ، فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : لا واللاتي والعزى ، لا أدفعه إليه أبدا ، قال : إنه قد جاء أمر غير الأمر الذي كنا عليه ، فإنك إن لم تفعلي قتلت أنا وأخي ، قال : فدفعته إليه ، قال : فأقبل به حتى إذا كان وجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عثر فسقط المفتاح منه ، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحنى عليه ثوبه ، ثم فتح له عثمان فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة ، فكبر في زواياها وأرجائها ، وحمد الله ، ثم صلى بين الأسطوانتين ركعتين ، ثم خرج فقام بين البابين ، فقال علي : فتطاولت لها ورجوت أن يدفع إلينا المفتاح ، فتكون فينا السقاية والحجابة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين عثمان ، هاكم ما أعطاكم الله ، فدفع إليه المفتاح ، ثم رقى بلال على ظهر الكعبة فأذن ، فقال خالد بن أسيد : ما هذا الصوت ؟ قالوا : بلال بن رباح ، قال : عبد أبي بكر الحبشي ، قالوا ، نعم ، قال : أين ؟ قالوا : على ظهر الكعبة ، قال : على مرقبة بني أبي طلحة ؟ قالوا : نعم ، قال : ما يقول ؟ قالوا : يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، قال : لقد أكرم الله أبا خالد عن أن يسمع هذا الصوت يعني أباه ، وكان ممن قتل يوم بدر في المشركين ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ، وجمعت له هوازن بحنين ، فاقتتلوا ، فهزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الله : ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا الآية ، ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دابته فقال : اللهم إنك إن شئت لم تعبد بعد اليوم ، شاهت الوجوه ، ثم رماهم بحصاة كانت في يده ، فولوا مدبرين ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السبي والأموال فقال لهم : إن شئتم فالفداء ، وإن شئتم فالسبي قالوا : لن نؤثر اليوم على الحسب شيئا ، فقال [ ص: 530 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا خرجت فاسألوني فإني سأعطيكم الذي لي ، ولن يتعذر علي أحد من المسلمين ، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحوا إليه ، فقال أما الذي لي فقد أعطيتكموه ، وقال المسلمون مثل ذلك إلا عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر فإنه قال : أما الذي لي فإني لا أعطيه ، قال : أنت على حقك من ذلك ، قال : فصارت له يومئذ عجوز عوراء ، ثم حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف قريبا من شهر ، فقال عمر بن الخطاب : أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دعني أدخل عليهم فأدعوهم إلى الله ، قال : إنهم إذا قاتلوك ، فدخل عليهم عروة فدعاهم إلى الله فرماه رجل من بني مالك بسهم فقتله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثله في قومه مثل صاحب ياسين ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذوا مواشيهم وضيقوا عليهم ، ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا حتى إذا كان بنخلة جعل الناس يسألونه ، قال أنس : حتى انتزعوا رداءه عن ظهره ، فأبدوا عن مثله فلقة القمر ، فقال : ردوا علي ردائي ، لا أبا لكم ، أتبخلونني فوالله أن لو كان ما بينهما إبلا وغنما لأعطيتكموه ، فأعطى المؤلفة يومئذ مائة مائة من الإبل ، وأعطى الناس ، فقالت الأنصار عند ذلك ، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قلتم كذا وكذا ، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ، قالوا : بلى ، قال : ألم أجدكم أعداء فألف الله بين قلوبكم بي ، قالوا : بلى قال : أما إنكم لو شئتم قلتم : قد جئتنا مخذولا فنصرناك ، قالوا : الله ورسوله آمن ، قال : لو شئتم قلتم : جئتنا طريدا آويناك ، قالوا : الله ورسوله آمن ، ولو شئتم لقلتم : جئتنا عائلا فآسيناك ، قالوا : الله ورسوله آمن ، قال : أفلا ترضون أن ينقلب الناس بالشاء والبعير ، وتنقلبون برسول الله إلى دياركم ، قالوا : بلى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الناس دثار ، والأنصار شعار ، وجعل على المقاسم عباد بن وقش أخا بني عبد الأشهل ، فجاء رجل من أسلم عاريا ليس عليه ثوب ، فقال : اكسني من هذه البرود بردة ، قال : إنما هي مقاسم المسلمين ، ولا يحل لي أن أعطيك منها شيئا ، فقال قومه : اكسه منها بردة ، فإن تكلم فيها أحد فهي من قسمنا وأعطياتنا ، فأعطاه بردة ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما كنت أخشى هذا عليه ، ما كنت أخشاكم عليه ، فقال : يا رسول الله ، ما أعطيته إياها حتى قال قومه : إن تكلم فيها أحد فهي من قسمنا وأعطياتنا ، فقال : جزاكم الله خيرا ، جزاكم الله خيرا


التالي السابق


الخدمات العلمية