المسألة السادسة : في  
الاستدلال على أن كل صيغة من تلك الصيغ للعموم  
وفيه فروع :  
الفرع الأول : في : من ، وما ، وأين ، ومتى للاستفهام  ، فهذه الصيغ إما أن تكون للعموم فقط ، أو للخصوص ، أو لهما على سبيل الاشتراك ، أو لا لواحد منهما ، والكل باطل إلا الأول .  
أما أنه لا يجوز أن يقال : إنها موضوعة للخصوص فقط ; فلأنه لو كان كذلك لما حسن من المجيب أن يجيب بذكر كل العقلاء ; لأن الجواب يجب أن يكون مطابقا للسؤال ، لكن لا نزاع في حسن ذلك .  
وأما أنه لا يجوز أن يقال بالاشتراك ; فلأنه لو كان كذلك لما حسن الجواب إلا بعد الاستفهام عن جميع الأقسام الممكنة .  
مثلا إذا قال : من عندك ؟ فلا بد أن تقول : سألتني عن الرجال أو النساء ؟ فإذا قال : عن الرجال ، فلا بد أن تقول : سألتني عن العرب أو عن العجم ؟ فإذا قال : عن العرب ،      
[ ص: 348 ] فلا بد أن تقول عن  
ربيعة   أو  
مضر   ، وهكذا إلى أن تأتي على جميع الأقسام الممكنة ، وذلك لأن اللفظ إما أن يقال إنه مشترك بين الاستغراق وبين مرتبة معينة في الخصوص ، أو بين الاستغراق وبين جميع المراتب الممكنة في الخصوص ، والأول باطل ; لأن أحدا لم يقل به ، والثاني يقتضي أن لا يحسن من المجيب ذكر الجواب إلا بعد الاستفهام عن كل تلك الأقسام ; لأن الجواب لا بد أن يكون مطابقا للسؤال فإذا كان السؤال محتملا لأمور كثيرة ، فلو أجاب قبل أن يعرف ما عنه وقع السؤال لاحتمل أن لا يكون الجواب مطابقا للسؤال ، وذلك غير جائز ، فثبت أن لو صح الاشتراك لوجبت هذه الاستفهامات ، لكنها غير واجبة .  
أما أولا : فلأنه لا عام إلا وتحته عام آخر ، وإذا كان كذلك كانت التقسيمات الممكنة غير متناهية ، والسؤال عنها على سبيل التفصيل محال .  
وأما ثانيا : فإنا نعلم بالضرورة من عادة أهل اللسان أنهم يستقبحون مثل هذه الاستفهامات .  
وأما أنه لا يجوز أن تكون هذه الصيغة غير موضوعة للعموم والخصوص ، فمتفق عليه ، فبطلت هذه الثلاثة ، ولم يبق إلا القسم الأول .  
الفرع الثاني : في صيغة ( من ، وما ) في المجازاة  ، فإنها للعموم ، ويدل عليه أن قول القائل : من دخل داري فأكرمه ، لو كان مشتركا بين العموم والخصوص لما حسن من المخاطب أن يجري على موجب الأمر إلا عند الاستفهام عن جميع الأقسام ، لكنه قد حسن ذلك بدون استفهام ، فدل على عدم الاشتراك ، كما سبق في الفرع الذي قبل هذا .  
وأيضا لو قال : من دخل داري فأكرمه ، حسن منه استثناء كل واحد من العقلاء من هذا الكلام ، وحسن ذلك معلوم من عادة أهل اللغة ضرورة ، والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله فيه ، وذلك أنه لا نزاع أن المستثنى من الجنس لا بد أن يصح دخوله تحت المستثنى منه . فإما أن لا يعتبر مع الصحة الوجوب أو يعتبر ، والأول باطل ، وإلا لم يبق فرق بين  
الاستثناء  من الجمع المنكر ، كقولك : جاءني فقهاء إلا زيدا ، وبين الاستثناء من الجمع المعرف كقولك : جاءني الفقهاء إلا زيدا ، والفرق بينهما معلوم بالضرورة من عادة العرب ، فعلمنا أن الاستثناء من الجمع المعرف يقتضي إخراج ما لولاه لوجب دخوله تحت اللفظ ، وهو المطلوب .   
[ ص: 349 ] الفرع الثالث : في أن صيغة ( كل ، وجميع ) يفيدان الاستغراق  ، ويدل على ذلك أنك إذا قلت : جاءني كل عالم في البلد ، أو جميع علماء البلد ، فإنه يناقضه قولك : ما جاءني كل عالم في البلد ، وما جاءني جميع علماء البلد ، ولذلك يستعمل كل واحد من هذين الكلامين في تكذيب الآخر ، والتناقض لا يتحقق إلا إذا أفاد الكل الاستغراق ; لأن النفي عن الكل لا يناقض الثبوت في البعض ، وأيضا صيغة الكل والجميع مقابلة لصيغة البعض ، ولولا أن صيغتهما غير محتملة للبعض لم تكن مقابلة ، وأيضا إذا قال القائل : ضربت كل من في الدار ، أو : ضربت جميع من في الدار . سبق إلى الفهم الاستغراق ، ولو كانت صيغة الكل أو الجميع مشتركة بين الكل والبعض لما كان كذلك ; لأن اللفظ المشترك لما كان بالنسبة إلى المفهومين على السوية امتنع أن تكون مبادرة الفهم إلى أحدهما أقوى منها إلى الآخر ، وأيضا إذا قال السيد لعبده : اضرب كل من دخل داري ، أو : جميع من دخل داري ، فضرب كل واحد ممن دخل لم يكن للسيد أن يعترض عليه بضرب جميعهم ، وله أن يعترض عليه إذا ترك البعض منهم ، ومثله لو قال رجل لرجل : أعتق كل عبيدي ، أو جميع عبيدي ، ثم مات لم يحصل الامتثال إلا بعتق كل عبد له ، ولا يحصل امتثاله بعتق البعض ، وأيضا لا يشك عارف بلغة العرب ، أن بين قول القائل : جاءني رجال ، وجاءني كل الرجال ، وجميع الرجال ، فرقا ظاهرا ، وهو دلالة الثاني على الاستغراق دون الأول ، وإلا لم يكن بينهما فرق ، ومعلوم أن أهل اللغة إذا أرادوا التعبير عن الاستغراق جاءوا بلفظ ( كل وجميع ) وما يفيد مفادهما ، ولو لم يكونا للاستغراق لكان استعمالهم لهما عند إرادتهم للاستغراق عبثا .  
قال  
 nindex.php?page=showalam&ids=14960القاضي عبد الوهاب     : ليس بعد ( كل ) في كلام العرب كلمة أعم منها ، ولا فرق بين أن تقع مبتدأ بها ، أو تابعة . تقول : كل امرأة أتزوجها فهي طالق ، وجاءني القوم كلهم ، فيفيد أن المؤكد به عام ، وهي تشمل العقلاء ، وغيرهم ، والمذكر ، والمؤنث ، والمفرد ، والمثنى ، والمجموع ، فلذلك كانت أقوى صيغ العموم ، وتكون في الجميع بلفظ واحد . تقول : كل النساء ، وكل القوم ، وكل رجل ، وكل امرأة .  
قال  
 nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه     : معنى قولهم : كل رجل : كل رجال ، فأقاموا " رجلا " مقام " رجال " لأن رجلا شائع في الجنس ، والرجال للجنس ، ولا يؤكد بها المثنى استغناء عنه بـ " كل " ولا يؤكد بها إلا ذو أجزاء ، ولا يقال جاء زيد كله . انتهى .   
[ ص: 350 ] وقد ذكر علماء النحو والبيان الفرق بين أن يتقدم النفي على ( كل ) وبين أن تتقدم هي عليه ، فإذا تقدمت على حرف النفي نحو ( كل القوم لم يقم ) أفادت التنصيص على انتفاء قيام كل فرد فرد ، وإن تقدم النفي عليها مثل : لم يقم كل القوم ، لم تدل إلا على نفي المجموع ، وذلك يصدق بانتفاء القيام عن بعضهم ، ويسمى الأول عموم السلب ، والثاني سلب العموم ، من جهة أن الأول يحكم فيه بالسلب عن كل فرد ، والثاني لم يفد العموم في حق كل أحد ، إنما أفاد نفي الحكم عن بعضهم .  
قال  
القرافي     : وهذا شيء اختصت به ( كل ) من بين سائر صيغ العموم ، قال : وهذه القاعدة متفق عليها عند أرباب البيان ، وأصلها قوله صلى الله عليه وآله وسلم  
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338061كل ذلك لم يكن  لما قال له  
ذو اليدين  أقصرت الصلاة أم نسيت . انتهى .  
وإذا عرفت هذا في معنى ( كل ) فقد تقرر أن لفظ ( جميع ) هو بمعنى ( كل ) الإفرادي ، وهو معنى قولهم : أنها للعموم الإحاطي ، وقيل : يفترقان من جهة كون دلالة ( كل ) على فرد بطريق النصوصية ، بخلاف ( جميع ) .  
وفرقت الحنفية بينهما بأن ( كل ) تعم الأشياء على سبيل الانفراد و ( جميع ) تعمها على سبيل الاجتماع ، وقد روي أن  
 nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج  حكى هذا الفرق عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد     .  
الفرع الرابع : لفظ ( أي ) فإنها من جملة صيغ العموم ، إذا كانت شرطية أو استفهامية  ، كقوله تعالى  
أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى  وقوله  
أيكم يأتيني بعرشها   [ ص: 351 ] وقد ذكرها في صيغ العموم  
 nindex.php?page=showalam&ids=16392الأستاذ أبو منصور البغدادي   nindex.php?page=showalam&ids=11815والشيخ أبو إسحاق الشيرازي  وإمام الحرمين الجويني  وابن الصباغ   nindex.php?page=showalam&ids=16026وسليم الرازي  والقاضيان  
أبو بكر  وعبد الوهاب والرازي   nindex.php?page=showalam&ids=14552والآمدي  والصفي  الهندي  وغيرهم ، قالوا : وتصلح للعاقل وغيره .  
قال  
 nindex.php?page=showalam&ids=14960القاضي عبد الوهاب  في التخليص : إلا أنها تتناول على وجه الإفراد دون الاستغراق ، ولهذا إذا قلت أي الرجلين عندك ؟ لم يجب إلا بذكر واحد ، قال  
ابن السمعاني  في القواطع : وأما كلمة ( أي ) فقيل : كالنكرة ; لأنها تصحبها لفظا ومعنى ، تقول : أي رجل فعل هذا ؟ وأي دار دخل ؟ قال الله تعالى :  
أيكم يأتيني بعرشها  وهي في المعنى نكرة ; لأن المراد بها واحد منهم . انتهى .  
قال  
الزركشي  في البحر : وحاصل كلامهم أنها للاستغراق البدلي لا الشمولي ، لكن ظاهر كلام الشيخ  
أبي إسحاق  أنها للعموم الشمولي ، وتوسع  
القرافي  فعدى عمومها إلى الموصولة والموصوفة في النداء ، ومنهم من لم يعده  
 nindex.php?page=showalam&ids=14847كالغزالي  وابن القشيري  لأجل قول النحاة : إنها بمعنى " بعض " إذا أضيفت إلى معرفة ، وقول الفقهاء : أي وقت دخلت الدار فأنت طالق ، لا يتكرر الطلاق بتكرار الدخول ، كما في " كلما " .  
والحق أن عدم التكرار لا ينافي العموم ، وكون مدلولها أحد الشيئين قدر مشترك بينهما وبين بقية الصيغ في الاستفهام .  
وقال صاحب اللباب من الحنفية  
وأبو زيد  في التقويم كلمة ( أي ) نكرة لا تقتضي العموم بنفسها إلا بقرينة ، ألا ترى إلى قوله  
أيكم يأتيني بعرشها  ولم يقل يأتوني ، ولو قال لغيره : أي عبيدي ضربته فهو حر ، فضربهم لم يعتق إلا واحد ، فإن وصفها بصفة عامة كانت للعموم بقوله : أي عبيدي ضربك فهو حر ، فضربوه جميعا . عتقوا لعموم فعل الضرب .  
وصرح  
 nindex.php?page=showalam&ids=12440إلكيا الطبري  بأنها ليست من صيغ العموم فقال : وأما ( أي ) فهي اسم مفرد يتناول جزءا من الجملة المضافة . قال الله سبحانه وتعالى :  
أيكم يأتيني بعرشها  فجاء به واحد وقال  
أيكم أحسن عملا  وصرح القاضي  
حسين  والشاشي  أنه لا فرق بين الصورتين المذكورتين ، وأن العبيد يعتقون جميعا فيهما ، وجزم  
ابن   [ ص: 352 ] الهمام  في التحرير بأنها في الشرط ، والاستفهام كـ " كل " مع النكرة ، وكالبعض مع المعرفة ، وهو المناسب لما قرره النحاة فيها ، فإن الفرق بين قول القائل : أي رجل تضرب أضرب ، وبين : أي الرجلين تضرب أضرب - ظاهر لا يخفى .  
الفرع الخامس : النكرة في النفي ، فإنها تعم     ; وذلك لوجهين :  
الأول : أن الإنسان إذا قال : أكلت اليوم شيئا فمن أراد تكذيبه قال : ما أكلت اليوم شيئا ، فذكرهم هذا النفي عند تكذيب ذلك الإثبات يدل على اتفاقهم على كونه مناقضا له ، فلو كان قوله : ما أكلت اليوم شيئا لا يقتضي العموم لما تناقضا ; لأن السلب الجزئي لا يناقض الإيجاب الجزئي .  
الوجه الثاني : أنها لو لم تكن النكرة في النفي للعموم لما كان قولنا : لا إله إلا الله ، نفيا لجميع الآلهة سوى الله سبحانه وتعالى ، فتقرر بهذا أن النكرة المنفية بما ، أو لن ، أو لم ، أو ليس ، أو لا - مفيدة للعموم ، وسواء دخل حرف النفي على فعل ، نحو : ما رأيت رجلا ، أو على الاسم ، نحو : لا رجل في الدار ، ونحو : ما أحد قائما ، وما قام أحد .  
وقال  
 nindex.php?page=showalam&ids=14960القاضي عبد الوهاب  في الإفادة : قد فرق أهل اللغة بين النفي في قوله : ما جاءني أحد ، وما جاءني من أحد ، وبين دخوله على النكرة من أسماء الجنس ، في : ما جاءني رجل ، وما جاءني من رجل ، فرأوا تساوي اللفظين في الأول ، وأن " من " زائدة فيه ، وافتراق المعنى في الثاني ; لأن قوله : ما جاءني رجل ، يصلح أن يراد به الكل ، وأن يراد به رجل واحد ، فإذا دخلت ( من ) أخلصت النفي للاستغراق .  
وقال  
 nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين الجويني  هي للعموم ظاهرا عند تقدير ( من ) فإن دخلت ( من ) كانت نصا ، والمشهور في علم النحو الخلاف بين  
 nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه   nindex.php?page=showalam&ids=15153والمبرد     .  
 nindex.php?page=showalam&ids=16076فسيبويه  قال : إن العموم مستفاد من النفي قبل دخول ( من )  
 nindex.php?page=showalam&ids=15153والمبرد  قال أنه مستفاد من لفظ ( من ) والحق ما قاله  
 nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه  ، وكون ( من ) تفيد النصوصية بدخولها لا ينافي الظهور الكائن قبل دخولها .  
قال  
أبو حيان     : مذهب  
 nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه  أن ما جاءني من أحد ، وما جاءني من رجل ، ( من )      
[ ص: 353 ] في الموضعين لتأكيد استغراق الجنس ، وهذا هو الصحيح . انتهى .  
ولو لم تكن من صيغ العموم قبل دخول ( من ) لما كان نحو قوله تعالى :  
لا يعزب عنه مثقال ذرة  ،  
لا تجزي نفس عن نفس شيئا  مقتضيا للعموم ، وقد فرق بعضهم بين حروف النفي الداخلة على النكرة بفرق لا طائل تحته ، فلا نطول بذكره .  
واعلم أن  
حكم النكرة الواقعة في سياق النهي  حكم النكرة الواقعة في سياق النفي ، وما خرج عن ذلك من الصور ، فهو لنقل العرف له عن الوضع اللغوي .  
الفرع السادس : لفظ ( معشر ، ومعاشر ، وعامة ، وكافة ، وقاطبة ، وسائر ) من صيغ العموم  في مثل قوله  
يا معشر الجن والإنس  و  
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338062نحن معاشر الأنبياء لا نورث  و " جاءني القوم عامة " و  
وقاتلوا المشركين كافة  و " ارتدت العرب قاطبة " ، و " جاءني سائر الناس " ، إن كانت مأخوذة من سور البلد ، وهو المحيط بها ، كما قاله  
الجوهري  ، وإن كانت من أسأر بمعنى أبقى ، فلا تعم .  
وقد حكى  
الأزهري  الاتفاق على أنها مأخوذة من المعنى الثاني وغلطوا  
الجوهري     .  
وأجيب عن  
الأزهري     : بأنه قد وافق  
الجوهري  على ذلك  
 nindex.php?page=showalam&ids=14551السيرافي  في شرح كتاب      
[ ص: 354 ]  nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه  وأبو منصور الجواليقي  في شرح أدب الكاتب  
 nindex.php?page=showalam&ids=12988وابن بري  وغيرهم ، والظاهر أنها للعموم وإن كانت بمعنى الباقي ; لأن المراد بها شمول ما دخلت عليه ، سواء كانت بمعنى الجميع أو الباقي ، كما نقول : اللهم اغفر لي ولسائر المسلمين ، وخالف في ذلك  
القرافي   nindex.php?page=showalam&ids=14960والقاضي عبد الوهاب     .  
الفرع السابع : الألف واللام الحرفية لا الاسمية تفيد العموم إذا دخلت على الجمع  ، سواء كان سالما أو مكسرا ، وسواء كان من جموع القلة أو الكثرة ، وكذا إذا دخلت على اسم الجمع ، كركب وصحب وقوم ورهط ، وكذا إذا دخلت على اسم الجنس .  
وقد اختلف في اقتضائها للعموم إذا دخلت على هذه المذكورات على مذاهب ثلاثة .  
الأول : أنه إذا كان هناك معهود حملت على العهد ، فإن لم يكن حملت على الاستغراق ، وإليه ذهب جمهور أهل العلم .  
الثاني : أنها تحمل على الاستغراق ، إلا أن يقوم دليل على العهد .  
الثالث : أنها تحمل عند فقد العهد على الجنس من غير استغراق ، وحكاه صاحب الميزان ، عن  
أبي علي الفارسي  ،  
وأبي هاشم     .  
والراجح المذهب الأول ، وقال  
ابن الصباغ     : هو إجماع الصحابة .  
قال في المحصول مستدلا على هذا المذهب : لنا وجوه :  
الأول : أن  
الأنصار   لما طلبوا الإمامة احتج عليهم  
أبو بكر  بقوله صلى الله عليه وآله وسلم  
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338063الأئمة من  قريش   ،  
والأنصار   سلموا تلك الحجة ، ولو لم يدل الجمع      
[ ص: 355 ] المعرف بلام الجنس على الاستغراق لما صحت تلك الدلالة ; لأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم  
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338063الأئمة من  قريش   لو كان معناه بعض الأئمة من  
قريش   لوجب أن لا ينافي وجود إمام من قوم آخرين .  
قال : الوجه الثاني : أن هذا الجمع يؤكد بما يقتضي الاستغراق فوجب أن يفيد في أصله الاستغراق . أما أنه يؤكد فكقوله  
فسجد الملائكة كلهم أجمعون  وأما أنه بعد التأكيد يقتضي الاستغراق فبالإجماع .  
الوجه الثالث : الألف واللام إذا دخلا في الاسم صار بهم معرفة ، كما نقل عن أهل اللغة فيجب صرفه إلى ما به تحصل المعرفة ، وإنما تحصل المعرفة عند إطلاقه بالصرف إلى الكل ; لأنه معلوم للمخاطب ، فأما الصرف إلى ما دونه فإنه لا يفيد المعرفة ; لأن بعض المجموع ليس أولى من بعض فكان مجهولا .  
قال : الوجه الرابع : أنه يصح استثناء أي واحد كان منه ( ذلك ) .  
وذلك يفيد العموم على ما تقدم ، وممن حكى إجماع الصحابة على إفادة هذا التعريف للعموم  
ابن الهمام  في التحرير ، وحكى أيضا إجماع أهل اللغة على  
صحة الاستثناء     . قال  
الزركشي  في البحر : وظاهر كلام الأصوليين أنها تحمل على الاستغراق لعموم فائدته ، ولدلالة اللفظ عليه ، ونقله  
ابن القشيري  عن المعظم ، وصاحب الميزان عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=12751أبي بكر السراج النحوي  ، فقال :  
إذا تعارض جهة العهد والجنس  يصرف إلى الجنس ، وهذا هو الذي أورده  
الماوردي   nindex.php?page=showalam&ids=14396والروياني  في أول كتاب البيع ، قالا : لأن الجنس يدخل تحت العهد ، والعهد لا يدخل تحته الجنس .  
وروي عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين الجويني  أنه مجمل ; لأن عمومه ليس من صيغته بل من قرينة نفي المعهود ، فتعين الجنس ; لأنه لا يخرج عنها ، وهو قول  
ابن القشيري     .  
قال  
 nindex.php?page=showalam&ids=12440إلكيا الهراس     : إنه الصحيح ; لأن الألف واللام للتعريف ، وليست إحدى جهتي التعريف بأولى من الثانية فيكتسب اللفظ جهة الإجمال ; لاستوائه بالنسبة إليهما . انتهى .   
[ ص: 356 ] والكلام في هذا البحث يطول جدا ، فقد تكلم فيه أهل الأصول ، وأهل النحو ، وأهل البيان ، بما هو معروف ، وليس المراد هنا إلا بيان ما هو الحق ، وتعيين الراجح من المرجوح ، ومن أمعن النظر وجود التأمل علم أن الحق الحمل على الاستغراق ، إلا أن يوجد هناك ما يقتضي العهد ، وهو ظاهر في تعريف الجنس .  
وأما تعريف الجمع مطلقا واسم الجمع فكذلك أيضا ; لأن التعريف يهدم الجمعية ، ويصيرها للجنس ، وهذا يدفع ما قيل من أن استغراق المفرد أشمل .  
الفرع الثامن : تعريف الإضافة ، وهو من مقتضيات العموم كالألف واللام  ، من غير فرق بين كون المضاف جمعا ، نحو : عبيد زيد ، أو اسم جمع ، نحو : جاءني ركب  
المدينة   ، أو اسم جنس ، نحو  
وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها  nindex.php?page=hadith&LINKID=10338064ومنعت  العراق   درهمها ودينارها ، ومنعت  الشام   قفيزها وصاعها  ، وقد صرح  
الرازي  بأن المفرد المضاف يعم ، مع اختياره بأن المعرف بالألف واللام لا يعم .  
قال  
الصفي الهندي  في النهاية : وكون المفرد المضاف للعموم ، وإن لم يكن منصوصا لهم ، لكن نفيه التسوية بين الإضافة ولام التعريف يقتضي العموم ، والحق أن عموم الإضافة أقوى ، ولهذا لو حلف لا يشرب الماء حنث بشرب القليل منه ; لعدم تناهي أفراده ، ولو حلف لا يشرب ماء البحر لا يحنث إلا بكله . انتهى .  
وفي هذا الفرق نظر ، ولا ينافي إفادة إضافة اسم الجنس للعموم ما وقع من الخلاف فيمن  
قال : زوجتي طالق ، وله أربع زوجات  فإن من قال : إنها لا تطلق إلا واحدة ، استدل بأن العرف قد خص هذه الصورة وأمثالها عن الموضوع اللغوي ، على أنه قد حكى  
الروياني  في البحر عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس   nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل  أنها تطلق الأربع جميعا ، بخلاف ما عدا هذه الصورة وأمثالها فإنه يحمل على العموم ، كما لو قال : مالي صدقة ، ومن هذا قوله تعالى :  
أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم  وقوله صلى الله عليه وآله وسلم  
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338065هو الطهور ماؤه والحل ميتته     .   
[ ص: 357 ] الفرع التاسع : الأسماء الموصولة ، كالذي ، والتي ، والذين ، واللاتي ، وذو الطائية ، وجمعها  ، وقد صرح  
القرافي   nindex.php?page=showalam&ids=14960والقاضي عبد الوهاب  بأنها من صيغ العموم ، وقال  
ابن السمعاني     : جميع الأسماء المبهمة تقتضي العموم .  
وقال أصحاب  
الأشعري  إنها تجري في بابها مجرى اسم منكور ، كقولنا : رجل ، ويمكن أن يكون  
زيدا  أو  
عمرا  ، فلا يصار إلى أحدهما إلا بدليل ، والإبهام لا يقتضي الاستغراق ، بل يحتاج إلى قرينة ، والحق أنها من صيغ العموم ، كقوله سبحانه :  
والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك  ،  
إن الذين سبقت لهم منا الحسنى  ،  
إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما  وما خرج من ذلك فلقرينة تخصصه عن موضوعه اللغوي .  
الفرع العاشر : نفي المساواة بين الشيئين  ، كقوله  
لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة  فذهب جمهور الشافعية ، وطوائف من الأصوليين والفقهاء إلى أنه يقتضي العموم .  
وذهبت الحنفية والمعتزلة  
 nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي  والرازي  إلى أنه ليس بعام .  
استدل الأولون : بأنه نكرة في سياق النفي ; لأن الجملة نكرة باتفاق النحاة ، وكذلك توصف بها النكرات دون المعارف .  
واستدل  
الرازي  في المحصول للآخرين بوجهين :  
الأول : أن نفي الاستواء مطلقا أي في الجملة أعم من نفي الاستواء من كل الوجوه ، أو من بعضها ، والدال على القدر المشترك بين الأمرين لا إشعار فيه بهما فلا يلزم من نفيه نفيهما .  
الثاني : أنه إما أن يكفي في إطلاق لفظ المساواة الاستواء من بعض الوجوه ، أو لا بد فيه من الاستواء من كل الوجوه ، والأول باطل ، وإلا لوجب إطلاق لفظ المساواة على جميع الأشياء ; لأن كل شيئين لا بد أن يستويا في بعض الأمور من كونهما      
[ ص: 358 ] معلومين ، وموجودين ، ومذكورين ، وفي سلب ما عداهما عنهما ، ومتى صدق عليه المساوي وجب أن يكذب عليه غير المساوي ; لأنهما في العرف كالمتناقضين ، فإن من قال : هذا يساوي ذاك ، فمن أراد تكذيبه قال لا يساويه ، والمتناقضان لا يصدقان معا ، فوجب أن لا يصدقا على شيئين ألبتة ; لأنهما متساويان ، وغير متساويين ، ولما كان ذلك باطلا علمنا أنه يعتبر في المساواة المساواة من كل الوجوه ، وحينئذ يكفي في نفي المساواة الاستواء من بعض الوجوه ; لأن نقيض الكلي هو الجزئي ، فإذا قلنا لا يستويان لا يفيد نفي الاستواء من جميع الوجوه .  
وأجيب عن الدليل الأول : بأن عدم إشعار الأعم بالأخص إنما هو في طريق الإثبات ، لا في طريق النفي ، فإن الأعم يستلزم نفي الأخص ، ولولا ذلك لجاز مثله في كل نفي ، فلا يعلم نفي أبدا إذ يقال في ( لا رجل ) رجل أعم من الرجل بصيغة العموم ، فلا يشعر به ، وهو خلاف ما ثبت بالدليل .  
وأجيب عن الدليل الثاني : بأنه إذا قيل لا مساواة فإنما يراد نفي مساواة يصح انتفاؤها ، وإن كان ظاهرا في العموم ، وهو من قبيل ما يخصصه العقل نحو  
الله خالق كل شيء  أي خالق كل شيء يخلق .  
والحاصل أن مرجع الخلاف إلى أن المساواة في الإثبات هل مدلولها لغة المشاركة في كل الوجوه ، حتى يكون اللفظ شاملا ، أو مدلولها المساواة في بعض الوجوه ، حتى يصدق بأي وجه ؟ فإن قلنا بالأول لم يكن النفي للعموم ; لأن نقيض الكلي الموجب جزئي سالب ، وإن قلنا بالثاني كان للعموم ; لأن نقيض الجزئي الموجب كلي سالب .  
وخلاصة هذا أن صيغة ( لا يستوي ) إما لعموم سلب التسوية أو لسلب عموم التسوية ، فعلى الأول يمتنع ثبوت شيء من أفرادها ، وعلى الثاني لا يمتنع ثبوت البعض ، وهذا يقتضي ترجيح المذهب الثاني ; لأن حرف النفي سابق ، وهو يفيد  
سلب العموم  لا عموم السلب ، وأما الآية التي وقع المثال بها فقد صرح فيها بما يدل على أن النفي باعتبار بعض الأمور ، وذلك قوله تعالى  
أصحاب الجنة هم الفائزون  فإن ذلك يفيد أنهما لا يستويان في الفوز بالجنة .  
وقد رجح  
الصفي الهندي  بأن نفي الاستواء من باب المجمل من المتواطئ لا من باب العام ، وتقدمه إلى ترجيح الإجمال  
 nindex.php?page=showalam&ids=12440إلكيا الطبري     .   
[ ص: 359 ] الفرع الحادي عشر : إذا وقع الفعل في سياق النفي أو الشرط ، فإن كان غير متعد ، فهل يكون النفي له نفيا لمصدره وهو نكرة فيقتضي العموم أم لا ؟ حكى  
القرافي  عن الشافعية ، والمالكية أنه يعم ، وقال إن القاضي  
عبد الوهاب  في الإفادة نص على ذلك ، وإن كان متعديا ، ولم يصرح بمفعوله نحو لا أكلت ، وإن أكلت ، ولا كان له دلالة على مفعول معين ، فذهبت الشافعية ، والمالكية ،  
وأبو يوسف  ، وغيرهم إلى أنه يعم ، وقال  
أبو حنيفة     : لا يعم ، واختاره  
القرطبي  من المالكية ،  
والرازي  من الشافعية ، وجعله  
القرطبي  من باب الأفعال اللازمة نحو يعطي ويمنع ، فلا يدل على مفعول لا بالخصوص ولا بالعموم . قال  
الأصفهاني     : لا فرق بين المتعدي واللازم ، والخلاف فيهما على السواء .  
وظاهر كلام  
 nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين الجويني  ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي  ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=14552والآمدي  ،  
والصفي الهندي  أن الخلاف إنما هو في الفعل المتعدي إذا وقع في سياق النفي أو الشرط ، هل يعم مفاعيله أم لا ، لا في الفعل اللازم فإنه لا يعم .  
والذي ينبغي التعويل عليه أنه لا فرق بينهما في نفس مصدريهما ، فيكون النفي لهما نفيا لهما ، ولا فرق بينهما وبين وقوع النكرة في سياق النفي ، وأما فيما عدا المصدر فالفعل المتعدي لا بد له من مفعول به فحذفه مشعر بالتعميم كما تقرر في علم المعاني .  
وذكر  
القرطبي  أن القائلين بتعميمه قالوا : لا يدل على جميع ما يمكن أن يكون مفعولا على جهة الجمع بل على جهة البدل قال : وهؤلاء أخذوا الماهية مقيدة ، ولا ينبغي  
لأبي حنيفة  أن ينازع في ذلك .  
الفرع الثاني عشر : الأمر للجمع بصيغة الجمع ، كقوله  
وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة  عمومه وخصوصه يكون باعتبار ما يرجع إليه والدليل على ذلك أن السيد إذا أشار إلى جماعة من غلمانه ، وقال : قوموا ، فمن تخلف عن القيام منهم استحق الذم ، وذلك يدل على أن اللفظ للشمول ، فلا يجوز أن يضاف ذلك إلى القرينة .  
قال في المحصول : لأن تلك القرينة إن كانت من لوازم هذه الصيغة فقد حصل مرادنا ، وإلا فلنفرض هذه الصيغة مجردة عنها ، ويعود الكلام . انتهى .   
[ ص: 360 ] وممن صرح أن عموم صيغة الجمع في الأمر ، وخصوصها يكون باعتبار مرجعها  
الإمام الرازي  في المحصول ،  
والصفي الهندي  في النهاية ، وذكر القاضي  
عبد الجبار  عن  
الشيخ أبي عبد الله البصري  أن قول القائل : افعلوا ، يحمل على الاستغراق ، وقال  
أبو الحسين البصري     : الأولى أن يصرف إلى المخاطبين ، سواء كانوا ثلاثة أو أكثر ، وأطلق  
 nindex.php?page=showalam&ids=16026سليم الرازي  في التقريب أن المطلقات لا عموم فيها .  
فائدة :  
قال  
 nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين الجويني  ،  
وابن القشيري     : أن  
أعلى صيغ العموم  أسماء الشرط ، والنكرة في النفي ، وادعيا القطع بوضع ذلك للعموم .  
وصرح  
الرازي  في المحصول أن أعلاها أسماء الشرط ، والاستفهام ، ثم النكرة المنفية لدلالتها بالقرينة ، لا بالوضع .  
وعكس  
الصفي الهندي  فقدم النكرة المنفية على الكل .  
وقال  
ابن السمعاني     : أبين وجوه العموم ألفاظ الجموع ، ثم اسم الجنس المعرف باللام ، وظاهره أن الإضافة دون ذلك في الرتبة .
وعكس  
الإمام الرازي  في تفسيره فقال : الإضافة أدل على العموم من الألف ، واللام ، والنكرة المنفية أدل على العموم منها إذا كانت في سياق النفي ، والتي بـ " من " أدل من المجردة عنها .  
قال  
أبو علي الفارسي     : إن مجيء أسماء الأجناس معرفة بالألف واللام أكثر من مجيئها مضافة .  
وقال  
 nindex.php?page=showalam&ids=12440إلكيا الطبري  في التلويح :  
ألفاظ العموم أربعة     :  
أحدها : عام بصيغته ومعناه ، كالرجال والنساء .  
والثاني : عام بمعناه لا بصيغته ، كالرهط ونحوه من أسماء الأجناس ، قال : وهذا لا خلاف فيه .  
والثالث : ألفاظ مبهمة نحو ما ، ومن ، وهذا يعم كل أحد .  
والرابع : النكرة في سياق النفي ، نحو لم أر رجلا ، وذلك يعم لضرورة صحة الكلام وتحقيق غرض المتكلم من الإفهام إلا أنه لا يتناول الجميع بصيغته .  
فالعموم فيه من القرينة ; فلهذا لم يختلفوا فيه ، وقد قدمنا في الفرع الثالث ما يفيد أن لفظ ( كل ) أقوى صيغ العموم .