المسألة الحادية عشرة : في الألفاظ الدالة على الجمع  
الألفاظ الدالة على الجمع بالنسبة إلى دلالتها على المذكر والمؤنث على أقسام     :  
الأول : ما يختص به أحدهما ، ولا يطلق على الآخر بحال ، كرجال للمذكر ونساء للمؤنث ، فلا يدخل أحدهما في الآخر بالإجماع إلا بدليل خارج من قياس أو غيره .  
الثاني : ما يعم الفريقين بوضعه ، وليس لعلامة التذكير والتأنيث فيه مدخل كالناس ، والإنس ، والبشر ، فيدخل فيه كل منهما بالإجماع .   
[ ص: 371 ] الثالث : ما يشملهما بأصل وضعه ، ولا يخص بأحدهما إلا ببيان ، وذلك نحو ما ومن ، فقيل : إنه لا يدخل فيه النساء إلا بدليل ، ولا وجه لذلك ، بل الظاهر أنه مثل الناس والبشر ونحوهما ، كما في قوله سبحانه وتعالى ، (  
ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى     ) فلولا عمومه لهما لم يحسن التقسيم من بعد ذلك .  
وممن حكى الخلاف في هذه الصورة من الأصوليين  
أبو الحسين  في  
المعتمد   nindex.php?page=showalam&ids=12440، وإلكيا الهراس  في التلويح ، وحكاه غيرهما عن بعض الحنفية ، وأنهم لأجل ذلك قالوا أن المرتدة لا تقتل ، لعدم دخولها في قوله صلى الله عليه وآله وسلم  
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338074من بدل دينه فاقتلوه  ، لكن الموجود في كتبهم أنها تعم الجميع ، وصرح به  
البزدوي  ، وشراح كتابه ،  
وابن الساعاتي  ، وغيرهم إذ نقل  
الرازي  في المحصول الإجماع على أنه لو قال : من دخل داري من أرقائي فهو حر ، دخل فيه الإماء ، وكذلك لو علق بهذا اللفظ وصية أو توكيلا أو إذنا في أمر لم يختص بالذكر .  
وأما  
 nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين الجويني  فخص الخلاف بما إذا كانت شرطية ، قال  
الصفي الهندي  ، والظاهر أنه لا فرق بينهما ، وبين " من " الموصولة والاستفهامية ، وأن الخلاف جار في الجميع . انتهى .  
ولا يخفاك أن دعوى اختصاص " من " بالذكور لا ينبغي أن ينسب إلى من يعرف لغة العرب ، بل لا ينبغي أن ينسب إلى من له أدنى فهم .  
الرابع : ما يستعمل بعلامة التأنيث في المؤنث ، وبحذفها في المذكر ، وذلك الجمع السالم نحو مسلمين للذكور ، ومسلمات للإناث ، ونحو فعلوا وفعلن ، فذهب الجمهور إلى أنه لا يدخل النساء فيما هو للذكور ، إلا بدليل ، كما لا يدخل الرجال فيما هو للنساء إلا بدليل .  
قال  
القفال     : وأصل هذا أن الأسماء وضعت للدلالة على المسمى ، فحصل كل نوع بما يميزه ، فالألف والتاء جعلتا علما لجمع الإناث ، والواو والياء والنون لجمع الذكور ، والمؤمنات غير المؤمنين ، وقاتلوا خلاف قاتلن ، ثم قد تقوم قرائن تقتضي استواءهما فيعلم بذلك دخول الإناث في الذكور ، وقد لا تقوم قرائن فيلحقن بالذكور بالاعتبار ،      
[ ص: 372 ] والدلائل ، كما يلحق المسكوت عنه بالمذكور بدليل .  
ومما يدل على هذا إجماع أهل اللغة على أنه  
إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر  ، فلولا أن التسمية للمذكر لم يكن هو الغالب ، ولم يكن حظه فيها كحظ المؤنث ، ولكن معناه أنهما إذا اجتمعا استقل إفراد كل منهما بوصف فغلب المذكر ، وجعل الحكم له فدل على أن المقصود هو الرجال ، والنساء توابع . انتهى .  
قال الأستاذ  
أبو المنصور   nindex.php?page=showalam&ids=16026وسليم الرازي     : وهذا قول أصحابنا ، واختاره القاضي  
أبو الطيب ، وابن السمعاني ، وإلكيا الهراس  ، ونصره  
ابن برهان  ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=11815والشيخ أبو إسحاق الشيرازي  ، ونقله عن معظم الفقهاء ، ونقله  
ابن القشيري  عن معظم أهل اللغة ، وذهبت الحنفية كما حكاه عنهم  
سليم الرازي ، وابن السمعاني ، وابن الساعاتي  إلى أنه يتناول الذكور والإناث ، وحكاه  
 nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب  عن  
أبي حنيفة  ، وحكاه  
الباجي  عن  
ابن خويز منداد  ، وروي نحوه عن الحنابلة والظاهرية .  
والحق ما ذهب إليه الجمهور من عدم التناول إلا على طريقة التغليب عند قيام المقتضي لذلك ، لاختصاص الصيغة لغة ، ووقوع التصريح بما يختص بالنساء مع ما يختص بالرجال في نحو : إن المسلمين والمسلمات ، وقد ثبت في سبب نزول هذه الآية  
nindex.php?page=hadith&LINKID=10338075أن   nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة  قالت : يا رسول الله إن النساء قلن ما نرى الله سبحانه ذكر إلا الرجال فنزلت     .  
قال  
الإبياري  لا خلاف بين الأصوليين والنحاة أن جمع المذكر لا يتناول المؤنث بحال ، وإنما ذهب بعض الأصوليين إلى تناوله الجنسين ; لأنه لما كثر اشتراك الذكور والإناث في الأحكام لم تقصر الأحكام على الذكور .  
قال  
الزركشي  في البحر : وحاصله الإجماع على عدم الدخول حقيقة ، وإنما النزاع      
[ ص: 373 ] في ظهوره لاشتهاره عرفا .  
قال  
الصفي الهندي     : وكلام  
 nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين  يشعر بتخصيص الخلاف بالخطابات الواردة من الشرع لقرينة عليه ، وهي المشاركات في الأحكام الشرعية ، قال : واتفق الكل أن المذكر لا يدخل تحته إن ورد مقترنا بعلامة التأنيث .  
ومن أقوى ما احتج به القائلون بالتعميم : إجماع أهل اللغة على أنه إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر ، وعلى هذا ورد قوله تعالى :  
قلنا اهبطوا منها جميعا  في خطاب  
آدم   ،  
وحواء  ، وإبليس .  
ويجاب على هذا بأنه لم يكن ذلك بأصل الوضع ، ولا بمقتضى اللغة ، بل بطريق التغليب ، لقيام الدليل عليه ، وذلك خارج عن محل النزاع ، ولا يلزم من صحة إرادة الشيء من الشيء إرادته منه إذا ورد مطلقا بغير قرينة ، ولم يذكر أحد من أهل اللغة ، ولا من علماء العربية أن صيغة الذكور عند إطلاقها موضوعة لتناول الجمع ، وهذا ظاهر واضح ، لا ينبغي الخلاف في مثله ، ولم يأت القائلون بالتناول بدليل يدل على ما قالوه ، لا من جهة اللغة ، ولا من جهة الشرع ، ولا من جهة العقل .