إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
المسألة الرابعة والعشرون : في ذكر بعض أفراد العام بحكم العام

ذكر بعض أفراد العام الموافق له في الحكم لا يقتضي التخصيص عند الجمهور . والحاصل أنه إذا وافق الخاص العام في الحكم فإن كان بمفهومه ينفي الحكم عن غيره ، فمن أخذ بمثل ذلك المفهوم خصص به على الخلاف الآتي في مسألة التخصيص بالمفهوم .

وأما إذا لم يكن له مفهوم فلا يخصص به .

ومثال ذلك : قوله صلى الله عليه وآله وسلم أيما إهاب دبغ فقد طهر ، مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث آخر في شاة ميمونة دباغها طهورها فالتنصيص على الشاة في الحديث الآخر لا يقتضي تخصيص عموم أيما إهاب دبغ فقد طهر لأنه تنصيص على بعض أفراد العام بلفظ لا مفهوم له إلا مجرد مفهوم اللقب ، فمن أخذ به [ ص: 392 ] خصص به ، ومن لم يأخذ به لم يخصص به ، ولا متمسك لمن قال بالأخذ به كما سيأتي .

ومن أمثلة المسألة قوله صلى الله عليه وآله وسلم : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وفي لفظ آخر ( وتربتها طهورا ) وقوله ( الطعام بالطعام ) مع قوله في حديث آخر ( البر بالبر ) إلخ ، وقد احتج الجمهور على عدم التخصيص بالموافق للعام بأن المخصص لا بد أن يكون منافيا للعام ، وذكر الحكم على بعض الأفراد التي شملها العام ليس بمناف ، فلا يكون ذكره مخصصا ، وقد أنكر بعض أهل العلم وقوع الخلاف في هذه المسألة ، وقال : لما كان أبو ثور ممن يقول بمفهوم اللقب ظن أنه يقول بالتخصيص ، وليس كذلك .

قال الزركشي : فإن قلت : فعلى قول الجمهور ما فائدة هذا الخاص مع دخوله في العام ؟ قلت : يجوز أن تكون فائدته عدم جواز تخصيصه ، أو التفخيم له أو إثبات المزيد له على غيره من الأفراد .

قال ابن دقيق العيد : إن كان أبو ثور نص على هذه القاعدة فذاك ، وإن كان أخذها له بطريق الاستنباط من مذهبه في مفهوم اللقب فلا يدل على ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية