إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
المسألة الرابعة عشرة : التخصيص بالغاية

وهي نهاية الشيء المقتضية لثبوت الحكم قبلها ، وانتفائه بعدها ، ولها لفظان ، وهما ( حتى ، وإلى ) كقوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن ، وقوله وأيديكم إلى المرافق .

قال الرازي في المحصول : التقييد بالغاية يقتضي أن يكون الحكم فيما وراء الغاية بالخلاف ; لأن الحكم لو بقي فيما وراء الغاية لم تكن الغاية مقطعا فلم تكن الغاية غاية ، قال : ويجوز اجتماع الغايتين ، كما لو قيل : لا تقربوهن حتى يطهرن وحتى يغتسلن ، فهاهنا الغاية في الحقيقة هي الأخيرة ، وعبر عن الأولى بالغاية مجازا لقربها [ ص: 440 ] منها ، واتصالها بها .

قال الزركشي : ونوزع بأن هاتين غايتين لشيئين ; لأن التحريم الناشيء عن دم الحيض غاية انقطاع الدم ، فإذا انقطع حدث تحريم آخر ، ناشئ عن دم الغسل ، والغاية الثانية غاية هذا التحريم .

وقد أطلق الأصوليون كون الغاية من المخصصات ، ولم يقيدوا ذلك ، وقيد ذلك بعض المتأخرين بالغاية التي تقدمها لفظ يشملها ، لو لم يؤت بها ، كقوله تعالى : حتى يعطوا الجزية فإن هذه الغاية لو لم يؤت بها لقاتلنا المشركين ، أعطوا الجزية ، أو لم يعطوها .

واختلفوا في الغاية نفسها ، هل تدخل في المغيا ، كقولك : أكلت حتى قمت ، هل يكون القيام محلا للأكل أم لا ، وفي ذلك مذاهب :

الأول : أنها تدخل فيما قبلها .

والثاني : لا تدخل ، وبه قال الجمهور ، كما حكاه في البرهان .

والثالث : إن كانت من جنسه دخلت ، وإلا فلا ، وحكاه أبو إسحاق المروزي عن المبرد .

والرابع : إن تميزت عما قبلها بالحس نحو أتموا الصيام إلى الليل لم تدخل ، وإن لم تتميز بالحس مثل وأيديكم إلى المرافق دخلت الغاية ، وهي المرافق ، ورجح هذا الفخر الرازي .

والخامس : إن اقترنت بمن لم يدخل نحو : بعتك من هذه الشجرة إلى هذه الشجرة ، لم تدخل ، وإن لم تقترن جاز أن تكون تحديدا ، وأن تكون بمعنى مع ، وحكاه إمام الحرمين في البرهان عن سيبويه ، وأنكره عليه ابن خروف ، وقال لم يذكر سيبويه منهما حرفا ، ولا هو مذهبه .

[ ص: 441 ] والسادس : الوقف ، واختاره الآمدي .

وهذه المذاهب في غاية الانتهاء .

وأما في غاية الابتداء ففيها مذهبان : الدخول وعدمه .

وجعل الأصفهاني الخلاف في الغايتين غاية الابتداء ، وغاية الانتهاء على السواء ، فقال : وفيها مذاهب تدخلان ، ولا تدخلان ، وتدخل غاية الابتداء دون الانتهاء ، وتدخلان إن اتحد الجنس لا إن اختلف ، وتدخلان إن لم يتميز ما بعدهما عما قبلهما بالحس ، وإلا لم تدخلا فيما قبلهما وفيما قاله نظر ، بل الظاهر أن الأقوال المتقدمة هي في غاية الانتهاء لا في غاية الابتداء .

وأظهر الأقوال وأوضحها عدم الدخول إلا بدليل من غير فرق بين غاية الابتداء والانتهاء .

والكلام في الغاية الواقعة بعد متعدد كما تقدم في الاستثناء .

التالي السابق


الخدمات العلمية