إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
المسألة الثالثة والعشرون : في التخصيص بالقياس

ذهب الجمهور إلى جوازه .

قال الرازي في المحصول : وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، ومالك ، وأبي الحسين البصري ، والأشعري ، وأبي هاشم أخيرا .

وحكاه ابن الحاجب في مختصر المنتهى ، عن هؤلاء ، وزاد معهم الإمام الرابع أحمد بن حنبل ، وكذا حكى ابن الهمام في التحرير .

وحكى القاضي عبد الجبار ، عن الحنابلة ، عن أحمد روايتين .

وحكاه الشيخ أبو حامد ، وسليم الرازي عن ابن سريج .

وذهب أبو علي الجبائي إلى المنع مطلقا .

ونقله الشيخ أبو حامد ، وسليم الرازي عن أحمد بن حنبل ، وقيل : إن ذلك إنما هو في رواية عنه ، قال بها طائفة من أصحابه .

ونقله القاضي أبو بكر الباقلاني عن طائفة من المتكلمين ، وعن الأشعري .

وذهب عيسى بن أبان إلى أنه يجوز إن كان العام قد خصص قبل ذلك بنص قطعي ، كذا حكاه عنه القاضي أبو بكر في التقريب ، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي ، وأطلق صاحب المحصول الحكاية عنه ، ولم يقيدها بكون النص قطعيا ، وحكى هذا المذهب الشيخ أبو إسحاق الشيرازي عن بعض العراقيين .

وذهب الكرخي إلى أنه يجوز إن كان قد خص بدليل منفصل ، وإلا فلا ، كذا حكاه عنه صاحب المحصول ، وغيره .

[ ص: 454 ] وذهب الإصطخري إلى أنه يجوز إن كان القياس جليا ، وإلا فلا ، كذا حكاه عنه الشيخ أبو حامد ، وسليم الرازي ، وحكاه الشيخ أبو حامد أيضا عن إسماعيل بن مروان من أصحاب الشافعي .

وحكاه الأستاذ أبو منصور ، عن أبي القاسم الأنماطي ، ومبارك بن أبان ، وأبي علي الطبري ، وحكاه ابن الحاجب في مختصر المنتهى عن ابن سريج ، والصحيح عنه ما تقدم .

وذهب الغزالي إلى أنه إن تفاوت القياس والعام في غلبة الظن ، رجح الأقوى ، فإن تعادلا فالوقف ، واختاره المطرزي ، ورجحه الفخر الرازي ، واستحسنه القرافي ، والقرطبي .

وذهب الآمدي إلى أن العلة إن كانت منصوصة أو مجمعا عليها جاز التخصيص به ، وإلا فلا .

وقد حكى إمام الحرمين في النهاية مذهبين لم ينسبهما إلى من قالهما :

أحدهما : أنه يجوز إن كان الأصل المقيس عليه مخرجا من عام وإلا فلا .

والثاني : أنه يجوز إن كان الأصل المقيس عليه مخرجا من غير ذلك العام ، وإلا فلا .

وقال الشيخ أبو حامد الإسفراييني : القياس إن كان جليا مثل فلا تقل لهما أف جاز التخصيص به بالإجماع ، وإن كان واضحا ، وهو المشتمل على جميع معنى الأصل ، كقياس الربا ، فالتخصيص به جائز في قول عامة أصحابنا ، إلا طائفة شذت لا يعتد [ ص: 455 ] بقولهم ، وإن كان خفيا ، وهو قياس علته الشبه ، فأكثر أصحابنا أنه لا يجوز التخصيص به ، ومنهم من شذ فجوزه .

قال الأستاذ أبو منصور ، والأستاذ أبو إسحاق أجمع أصحابنا على جواز التخصيص بالقياس الجلي .

واختلفوا في الخفي على وجهين ، والصحيح الذي عليه الأكثرون جوازه أيضا ، وكذا قال أبو الحسين بن القطان ، والماوردي ، والروياني ، وذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي أن الشافعي نص على جواز التخصيص بالخفي في مواضع .

واحتج الجمهور : بأن العموم والقياس دليلان متعارضان ، والقياس خاص ، فوجب تقديمه .

وبهذا يعرف أنه لا ينتهض احتجاج المانعين بقولهم : لو قدم القياس على عموم الخبر لزم تقديم الأضعف على الأقوى ، وأنه باطل ; لأن هذا التقديم إنما يكون عند إبطال أحدهما بالآخر ، فأما عند الجمع بينهما وإعمالهما جميعا فلا .

وقد طول أهل الأصول الكلام في هذا البحث بإيراد شبه زائفة لا طائل تحتها .

وسيأتي تحقيق الحق إن شاء الله تعالى في باب القياس ، فمن منع من العمل به مطلقا منع من التخصيص به ، ومن منع من بعض أنواعه دون بعض ، منع من التخصيص بذلك البعض ، ومن قبله مطلقا خصص به مطلقا .

والتفاصيل المذكورة هنا من جهة القابلين له مطلقا ، إنما هي باعتبار كونه وقع هنا مقابلا لدلالة العموم .

والحق الحقيق بالقبول : أنه يخصص بالقياس الجلي ; لأنه معمول به لقوة دلالته ، وبلوغها إلى حد يوازن النصوص ، وكذا يخصص بما كانت علته منصوصة ، أو مجمعا عليها ، أما العلة المنصوصة فالقياس الكائن بها في قوة النص ، وأما العلة المجمع عليها فلكون ذلك الإجماع قد دل على دليل مجمع عليه ، وما عدا هذه الثلاثة الأنواع من القياس ، فلم تقم الحجة بالعمل به من أصله .

وسيأتي إن شاء الله الكلام على هذا في القياس على وجه يتضح به الحق اتضاحا لا يبقى عنده ريب لمرتاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية