إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
[ ص: 484 ] [ ص: 485 ] الباب السادس

في المجمل والمبين

وفيه ستة فصول

الفصل الأول

في حدهما

فالمجمل في اللغة المبهم ، من أجمل الأمر إذا أبهم ، وقيل : هو المجموع ، من أجمل الحساب إذا جمع وجعله جملة واحدة .

وقيل : هو المتحصل من أجمل الشيء إذا حصله .

وفي الاصطلاح : ما له دلالة على أحد معنيين ، لا مزية لأحدهما على الآخر بالنسبة إليه ، كذا قال الآمدي .

وفي المحصول : هو ما أفاد شيئا من جملة أشياء ، وهو متعين في نفسه ، واللفظ لا يعينه .

قال ولا يلزم عليه قولك اضرب رجلا ; لأن هذا اللفظ أفاد ضرب رجل وليس بمتعين في نفسه ، فأي رجل ضربته جاز ، وليس كذلك اسم " القرء " ; لأنه يفيد إما الطهر وحده ، وإما الحيض وحده ، واللفظ لا يعينه ، وقول الله تعالى : وأقيموا الصلاة يفيد وجوب فعل معين في نفسه ، غير متعين بحسب اللفظ .

وقال ابن الحاجب : هو في الاصطلاح ما لم تتضح دلالته ( وأورد عليه المهمل . وأجيب : بأن المراد بما لم تتضح دلالته : ما كان له دلالة في الأصل ولم تتضح ، فلا يرد المهمل ) .

وقيل : هو اللفظ الذي لا يفهم منه عند الإطلاق شيء .

واعترض عليه بأنه لا يطرد ولا ينعكس .

[ ص: 486 ] أما عدم اطراده ، فلأن المهمل كذلك وليس بمجمل ، وأيضا المستحيل كذلك ; لأن المفهوم منه ليس بشيء اتفاقا ، وليس بمجمل لوضوح مفهومه .

وأما عدم الانعكاس : فلأنه يجوز أن يفهم من المجمل أحد محامله لا بعينه ، كما في المشترك فلا يصدق الحد عليه .

وقال القفال الشاشي ، وابن فورك : ما لا يستقل بنفسه في المراد منه حتى يأتي تفسير . والأولى أن يقال : هو ما دل دلالة لا يتعين المراد بها إلا بمعين ، سواء كان عدم التعين بوضع اللغة ، أو بعرف الشرع ، أو بالاستعمال .

[ تعريف المبين ]

وأما المبين : فهو في اللغة المظهر ، من بان إذا ظهر ، يقال : بين فلان كذا إذا أظهره ، وأوضح معناه .

وفي الاصطلاح : هو ما افتقر إلى البيان .

والبيان مشتق من البين ، وهو الفراق ; لأنه يوضح الشيء ويزيل أشكاله ، كذا قال ابن فورك وفخر الدين الرازي في المحصول .

قال أبو بكر الرازي : سمي بيانا لانفصاله عما يلتبس من المعاني .

وأما في الاصطلاح : فهو الدال على المراد بخطاب لا يستقل بنفسه في الدلالة على المراد . كذا قال في المحصول . ويطلق ويراد به الدليل على المراد ، ويطلق على فعل المبين .

ولأجل إطلاقه على المعاني الثلاثة اختلفوا في تفسيره بالنظر إليها ، فالصيرفي لاحظ فعل المبين ، فقال : البيان إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي .

وقال القاضي في مختصر التقريب : وهذا ما ارتضاه من خاض في الأصول من أصحاب الشافعي .

واعترضه ابن السمعاني بأن لفظ البيان أظهر من لفظ إخراج الشيء من حيز الإشكال [ ص: 487 ] إلى حيز التجلي .

ولاحظ القاضي أبو بكر ( وإمام الحرمين ) والغزالي ، والآمدي ، والفخر الرازي وأكثر المعتزلة الدليل ، فقالوا : هو الموصل بصحيح النظر فيه إلى العلم أو الظن بالمطلوب ، ولاحظ أبو عبد الله البصري ( نفس العلم ) فحده بحد العلم ، وحكى أبو الحسين عنه : أنه العلم ، وحكى أبو الحسين عنه أنه العلم الحادث ، قال : ولهذا لا يوصف الله سبحانه بأنه مبين ; لأن علمه لذاته لا بعلم حادث .

قال العبدري بعد حكاية المذاهب : الصواب أن البيان هو مجموع هذه الأمور .

وقال شمس الأئمة السرخسي الحنفي اختلف أصحابنا في معنى البيان فقال أكثرهم هو إظهار المعنى وإيضاحه للمخاطب ، وقال بعضهم : هو ظهور المراد للمخاطب والعلم بالأمر الذي حصل له عند الخطاب ، قال : وهو اختيار أصحاب الشافعي ; لأن الرجل يقول بأن هذا المعنى إن ظهر والأول أصح أي الإظهار . انتهى .

قال الأستاذ أبو بكر الإسفراييني قال أصحابنا إنه الإفهام بأي لفظ كان .

وقال أبو بكر الدقاق إنه العلم الذي يتبين به المعلوم .

وقال الشافعي في الرسالة : إن البيان اسم جامع لأمور مجتمعة الأصول ، متشعبة الفروع .

التالي السابق


الخدمات العلمية