إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
[ ص: 488 ] [ ص: 489 ] الفصل الثاني

[ في وقوع الإجمال في الكتاب والسنة ]

اعلم أن الإجمال واقع في الكتاب والسنة ، قال أبو بكر الصيرفي : ولا أعلم أحدا أبى هذا غير داود الظاهري .

وقيل : إنه لم يبق مجمل في كتاب الله تعالى بعد موت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - .

وقال إمام الحرمين : إن ( المختار أن ) ما يثبت التكليف به لا إجمال فيه ; لأن التكليف بالمجمل تكليف بالمحال ، وما لا يتعلق به تكليف ; فلا يبعد استمرار الإجمال فيه بعد وفاته - صلى الله عليه وآله وسلم - .

قال الماوردي ، والروياني : يجوز التعبد بالخطاب المجمل قبل البيان ; لأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - بعث معاذا إلى اليمن ، وقال : ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله الحديث .

وتعهدهم بالتزام الزكاة قبل بيانها ، قالا : وإنما جاز الخطاب بالمجمل ، وإن كانوا لا يفهمونه لأحد الأمرين :

( الأول ) : أن يكون إجماله توطئة للنفس على قبول ما يتعقبه من البيان ، فإنه لو بدأ في تكليف الصلاة وبينها لجاز أن تنفر النفوس منها ولا تنفر من إجمالها .

( والثاني ) : أن الله تعالى جعل من الأحكام جليا ، وجعل منها خفيا ، ليتفاضل الناس [ ص: 490 ] في العلم بها ويثابوا على الاستنباط لها ، فلذلك جعل منها مفسرا جليا ، وجعل منهما مجملا خفيا .

قال الأستاذ أبو إسحاق الشيرازي : وحكم المجمل التوقف فيه إلى أن يفسر ، ولا يصح الاحتجاج بظاهره في شيء يقع فيه النزاع .

قال الماوردي : إن كان الإجمال من جهة الاشتراك ، واقترن به تبيينه أخذ به ، فإن تجرد عن ذلك واقترن به عرف يعمل به ، فإن تجرد عنهما وجب الاجتهاد في المراد منه ، وكان من خفي الأحكام التي وكل العلماء فيها إلى الاستنباط ، فصار داخلا في المجمل ; لخفائه ، وخارجا منه ; لإمكان استنباطه .

التالي السابق


الخدمات العلمية