إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

صفحة جزء
المسألة التاسعة

[ في وجوه نسخ القرآن والسنة ]

لا خلاف في جواز نسخ القرآن بالقرآن ، ونسخ السنة المتواترة بالسنة المتواترة ، وجواز نسخ الآحاد بالآحاد ، ونسخ الآحاد بالمتواتر .

وأما نسخ القرآن ، أو المتواتر من السنة بالآحاد ، فقد وقع الخلاف في ذلك في الجواز والوقوع .

أما الجواز عقلا فقال به الأكثرون ، وحكاه سليم الرازي عن الأشعرية ، والمعتزلة .

ونقل ابن برهان في الأوسط الاتفاق عليه ، فقال : لا يستحيل عقلا نسخ الكتاب بخبر الواحد ، بلا خلاف ، وإنما الخلاف في جوازه شرعا .

وأما الوقوع : فذهب الجمهور ، كما حكاه ابن برهان وابن الحاجب [ ص: 554 ] وغيرهما إلى أنه غير واقع .

ونقل ابن السمعاني ، وسليم في التقريب الإجماع على عدم وقوعه ، وهكذا حكى الإجماع القاضي أبو الطيب في شرح الكفاية والشيخ أبو إسحاق الشيرازي في اللمع .

وذهب جماعة من أهل الظاهر منهم ابن حزم إلى وقوعه ، وهي رواية عن أحمد .

وذهب القاضي في التقريب والغزالي ، وأبو الوليد الباجي ، والقرطبي إلى التفصيل بين زمان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وما بعده ، فقالوا بوقوعه في زمانه .

احتج المانعون بأن الثابت قطعا لا ينسخه مظنون ، واستدل القائلون بالوقوع بما ثبت من أن أهل قباء لما سمعوا مناديه - صلى الله عليه وآله وسلم - وهم في الصلاة ، يقول ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة فاستداروا ولم ينكر ذلك عليهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - .

وأجيب بأنهم علموا بالقرائن .

واستدل أيضا القائلون بالوقوع بأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يرسل رسله لتبليغ الأحكام ( وهم آحاد ) وكانوا يبلغون الأحكام المبتدأة وناسخها .

ومن الوقوع نسخ قوله تعالى : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه الآية بنهيه - صلى الله عليه وآله وسلم - عن أكل كل ذي ناب من السباع [ ص: 555 ] ومخلب من الطير وهو آحاد .

وأجيب : بأن المعنى لا أجد الآن والتحريم وقع في المستقبل .

ومن الوقوع نسخ نكاح المتعة بالنهي عنها وهو آحاد ، ونحو ذلك كثير .

ومما يرشدك إلى جواز النسخ بما صح من الآحاد لما هو أقوى متنا أو دلالة منها : أن الناسخ في الحقيقة إنما جاء رافعا لاستمرار حكم المنسوخ ودوامه ، وذلك ظني وإن كان دليله قطعيا ، فالمنسوخ إنما هو هذا الظني ، لا ذلك القطعي ، فتأمل هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية